أسلمت أنا (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) يعني مشركي العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) لفظه استفهام ومعناه أمر أي أسلموا (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) يعني إلى الفوز والنجاة في الآخرة ، فلما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية على أهل الكتاب قالوا : قد أسلمنا فقال لليهود : أتشهدون أن موسى كليم الله وعبده ورسوله فقالوا : معاذ الله وقال للنصارى : أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله فقالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبدا قال الله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) يعني تبليغ الرسالة. وليس عليك هدايتهم واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في الآية فذهب طائفة إلى أنها محكمة ، والمراد بها تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه كان يحرص على إيمانهم ويتألم لتركهم الإجابة ، وذهب طائفة إلى أنها منسوخة بآية السيف لأن المراد بها الاقتصار على التبليغ وهذا منسوخ بآية السيف (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) يعني أنه تعالى عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن. قوله عزوجل :
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) يعني يجحدون القرآن وينكرونه وهم اليهود والنصارى (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) كان أنبياء بني إسرائيل يأتيهم الوحي ولم يكن يأتيهم كتاب لأنهم كانوا ملتزمين بأحكام التوراة ، فكانوا يذكرون قومهم فيقتلونهم فيقوم رجال ممن آمن بهم وصدقهم فيذكرونهم ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فيقتلونهم أيضا ، فهم الذين يأمرون بالقسط يعني بالعدل من الناس. روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قلت : يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ «قال رجل : قتل نبيا أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) إلى أن انتهى إلى قوله (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ثم قال على فراشك. وقيل : هم الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة فعلى هذا القول إنما سميت الصلاة استغفارا لأنهم طلبوا بفعلها المغفرة.
قوله عزوجل : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) قيل سبب نزول الآية أن حبرين من أحبار الشام قدما على النبي صلىاللهعليهوسلم فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلىاللهعليهوسلم الذي يخرج في آخر الزمان ، فلما دخلا على النبي صلىاللهعليهوسلم عرفاه بالصفة فقالا له : أنت محمد؟ قال : نعم ، قالا وأنت أحمد؟ قال : نعم. قالا فإنا نسألك عن شيء : فإن أنت أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك قال : اسألاني قالا : فأخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عزوجل ، فأنزل الله هذه الآية فأسلم الحبران. وقيل : إن هذه الآية نزلت في نصارى نجران فيما ادعوا في عيسى عليهالسلام فقوله تعالى : شهد الله يعني بيّن الله وأظهر لأن معنى الشهادة تبيين وإظهار. وقيل : معنى شهد الله حكم الله وقضى. وقيل : معناه أعلم الله أنه لا إله إلّا هو وذلك بيان الدلائل لما أمكن التوصل إلى معرفة الوحدانية ، فهو تعالى أرشد عباده إلى معرفة توحيده بما بين من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته سئل بعض الأعراب ما الدليل على وجود الصانع؟ فقال : إن البعرة تدل على البعير ، وآثار القدم تدل على المسير فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلان على وجود الصانع الخبير. قال ابن عباس : خلق الله تعالى الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة ، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة ، فشهد لنفسه بنفسه