بأطول من هذا وفيه زيادة قوله اليريسيين وفي رواية الأريسيين والأريس الأكار وهو الزراع والفلاح وقيل : هم أتباع عبد الله بن أريس رجل كان في الزمن الأول بعثه الله فخالفه قومه وقيل هم الأروسيون وهم نصارى أتباع عبد الله بن أروس وهم الأروسة. وقيل : هم الأريسون بضم الهمزة وهم الملوك الذين يخالفون أنبياءهم وقيل : هم المتبخترون وقيل : هم اليهود والنصارى الذين صددتهم عن الإسلام واتبعوك على كفرك. قوله عزوجل :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٦٦))
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) قال ابن عباس : اجتمع عند النبي صلىاللهعليهوسلم نصارى نجران وأحبار اليهود فتنازعوا عنده فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلّا يهوديا. وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلّا نصرانيا فأنزل الله فيهم يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم؟ (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) ومعنى الآية اليهود والنصارى لما اختصموا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شأن إبراهيم عليهالسلام وادّعت كل طائفة أنه كان منهم وعلى دينهم فبرأ الله عزوجل إبراهيم مما ادعوا فيه وأخبر أن اليهودية والنصرانية إنما حدثا بعد نزول التوراة والإنجيل وإنما نزلا بعد إبراهيم بزمان طويل فكان بين إبراهيم وبين موسى ونزول التوراة عليه خمسمائة سنة وخمسة وسبعون سنة وبين موسى وعيسى ألف وستمائة واثنتان وثلاثون سنة. وقال ابن إسحاق : كان بين إبراهيم وموسى خمسمائة سنة وخمس وستون سنة وبين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة وعشرون سنة وأورد على هذا التأويل أن الإسلام أيضا إنما حدث بعد إبراهيم وموسى وعيسى بزمان طويل ، وكذلك إنزال القرآن إنما نزل بعد التوراة والإنجيل فكيف يصح ما ادعيتم في إبراهيم أنه كان حنيفا مسلما وأجيب عنه بأن الله عزوجل أخبر في القرآن بأن إبراهيم كان حنيفا مسلما وليس في التوراة والإنجيل أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا فصح وثبت ما ادعاه المسلمون وبطل ما ادعاه اليهود والنصارى. وهو قوله تعالى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) يعني بطلان قولكم يا معشر اليهود والنصارى حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ها للتنبيه وهو موضع النداء يعني يا هؤلاء والمراد بهم أهل الكتابين يعني يا معشر اليهود والنصارى (حاجَجْتُمْ) أي جادلتم وخاصمتم (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) يعني فيما وجدتم في كتبكم وأنزل عليكم بيانه في أمر موسى وعيسى ، وادعيتم أنكم على دينهما وقد أنزلت التوراة والإنجيل عليكم (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) يعني أنه ليس في كتابكم أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا (وَاللهُ يَعْلَمُ) يعني ما كان إبراهيم عليه من الدين (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) يعني ذلك والمعنى وأنتم جاهلون بما تقولون في إبراهيم ثم برأه الله عزوجل عما قالوا فيه وأعلمهم أن إبراهيم بريء من دينهم. فقال تعالى :
(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨))
(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) يعني لم يكن كما ادعوه فيه ، ثم وصفه بما كان عليه من الدين فقال تعالى : (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) يعني مائلا عن الأديان إلى الدين المستقيم وهو الإسلام وقيل : الحنيف الذي يوجد ويختتن ويضحي ويستقبل الكعبة في صلاته وهو أحسن الأديان وأسهلها وأحبها إلى الله عزوجل (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعني الذين يعبدون الأصنام وقيل : فيه تعريض بكون النصارى مشركين لقولهم بإلهية المسيح وعبادتهم له. قوله عزوجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) يعني أخصهم به وأقربهم منه (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) يعني الذين كانوا في زمانه وآمنوا به واتبعوا شريعته (وَهذَا النَّبِيُ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعني هذه الأمة