عليه سورة العنكبوت والروم ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع وقالوا : زدنا من هذا الحديث الطيب فقرأ عليهم سورة الكهف فأراد عمرو أن يغضب النجاشي فقال : إنهم يشتمون عيسى وأمه فقال النجاشي : فما تقولون في عيسى وأمه فقرأ عليهم سورة مريم فلما أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشي من سواكه قدر ما بقذى العين وقال : والله ما زاد المسيح على ما تقولون هذا. ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون من سبكم أو أذاكم غرم ثم قال : أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم فقال عمرو : يا نجاشي ومن حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم فأنكر ذلك المشركون وادعوا دين إبراهيم ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه وقال : إنما هديتكم إلى رشوة فاقبضوها فإن الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة قال جعفر : فانصرفنا فكنا في خير جوار وأنزل الله عزوجل في ذلك اليوم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في خصومتهم في إبراهيم وهو في المدينة : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ). قوله تعالى :
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢))
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) نزلت في معاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وعمار بن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم ، فنزلت فيهم ودت طائفة أي تمنت جماعة من أهل الكتاب يعني اليهود لو يضلونكم يعني عن دينكم ويردونكم إلى الكفر (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن المؤمنين لا يقبلون قولهم فيحصل عليهم الإثم بتمنيهم إضلال المؤمنين (وَما يَشْعُرُونَ) يعني أن وبال الإضلال يعود عليهم لأن العذاب يضاعف لهم بسبب ضلالهم وتمني إضلال المسلمين وما يقدرون على ذلك إنما يضلون أمثالهم وأتباعهم وأشياعهم (يا أَهْلَ الْكِتابِ) الخطاب لليهود (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) يعني القرآن. وقيل المراد بآيات الله الواردة في التوراة والإنجيل من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته وسبب كفرهم بالتوراة والإنجيل على هذا القول هو تحريفهم وتبديلهم ما فيها من بيان نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته والبشارة بنبوته لأنهم ينكرون ذلك ، (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) يعني أن نعته وصفته مذكور في التوراة والإنجيل ، وذلك أن أحبار اليهود كانوا يكتمون الناس نعته وصفته فإذا خلا بعضهم ببعض أظهروا ذلك فيما بينهم وشهدوا أنه حق يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ، وذلك أن علماء اليهود والنصارى كانوا يعلمون بقلوبهم أن محمدا صلىاللهعليهوسلم رسول من عند الله وأن دينه حق ، وكانوا ينكرون ذلك بألسنتهم وكانوا يجتهدون في إلقاء الشبهات والتشكيكات ، وذلك أن الساعي في إخفاء الحق لا يقدر على ذلك إلّا بهذه الأمور فقوله تعالى : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) معناه تحريف التوراة وتبديلها فيخلطون المحرف الذي كتبوه بأيديهم بالحق المنزل وقيل هو خلط الإسلام باليهودية والنصرانية وذلك أنهم تواطؤوا على إظهار الإسلام في أول النهار والرجوع عنه في آخره ، والمراد بذلك تشكيك الناس وقيل إنهم كانوا يقولون : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم معترف بصحة نبوة موسى وإنه حق ثم إن التوراة دالة على أن شرع موسى لا ينسخ فهذا من تلبيساتهم على الناس (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) يعني نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته في التوراة (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعني أنه رسول من عند الله وأن دينه حق وإنما كتمتم الحق عنادا وحسدا وأنتم تعلمون ما تستحقون على كتمان الحق من العقاب. قوله عزوجل : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) وهذا نوع آخر من