الله. وقال الطبري : معناه واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ الله يعني حين أخذ الله ميثاق النبيين. وأصل الميثاق في اللغة عقد يؤكد بيمين ، ومعنى ميثاق النبيين ما وثقوا به على أنفسهم من طاعة الله فيما أمرهم به ونهاهم عنه وذكروا في معنى أخذ الميثاق وجهين : أحدهما : أنه مأخوذ من الأنبياء. والثاني : أنه مأخوذ لهم من غيرهم فلهذا السبب اختلفوا في المعنى بهذه الآية ، فذهب قوم إلى أن الله تعالى أخذ الميثاق من النبيين خاصة قبل أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده أن يصدق بعضهم بعضا ، وأخذ العهد على كل نبي أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه وإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن أدركوه فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم وعليهم أجمعين. وهذا قول سعيد بن جبير والحسن وطاوس وقيل : إنما أخذ الميثاق من النبيين في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم خاصة وهو قول علي وابن عباس وقتادة والسدي فعلى هذا القول اختلفوا ، فقيل إنما أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل إليهم النبيين ويدل عليه قوله ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه وإنما كان محمد صلىاللهعليهوسلم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيين ، وإنما أطلق هذا اللفظ عليهم لأنهم كانوا يقولون نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل كتاب والنبيون منا ، وقيل أخذ الله الميثاق على النبيين وأممهم جميعا في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم فاكتفى بذكر الأنبياء لأن العهد مع المتبوع عهد مع الأتباع وهو قول ابن عباس قال علي بن أبي طالب : ما بعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وأخذ هو العهد على قومه ليؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه وقيل إن المراد من الآية أن الأنبياء كانوا يأخذون العهد والميثاق على أممهم بأنه إذا بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم أن يؤمنوا به وينصروه وهذا قول كثير من المفسرين وقوله (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) قرئ بفتح اللام من لما وبكسرها مع التخفيف في القراءتين فمن قرأ بفتح اللام قال : معنى الآية وإذ أخذ الله ميثاق النبيين من أجل الذي آتاهم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول يعني ذكر محمد صلىاللهعليهوسلم في التوراة لتؤمنن به للذي عندكم في التوراة من ذكره ومن قرأ بكسر اللام جعل قوله لتؤمنن به من أخذ الميثاق كما يقال أخذت ميثاقك لتفعلن لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف فكان معنى الآية وإذ استحلف الله النبيين للذي أتاهم من كتاب وحكمة متى جاءهم رسول مصدق لما معهم ليؤمنن به ولينصرنه وقوله (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) وذلك أن الله وصفه في كتب الأنبياء المتقدمة وشرح فيها أحواله فإذا جاءت صفاته وأحواله مطابقة في كتبهم المنزلة فقد صار مصدقا لها فيجب الإيمان به والانقياد لقوله ولام قوله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) لام القسم تقديره والله لتؤمنن به (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) قال البغوي : قال الله عزوجل للأنبياء حين استخرج الذرية من صلب آدم والأنبياء فيهم كالمصابيح أخذ عليهم الميثاق في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) الآية. وقال الإمام فخر الدين الرازي : يحتمل أن يكون هذا الميثاق ما قرر في عقولهم من الدلائل الدالة على أن الانقياد من الله واجب ، فإذا جاء رسول وظهرت المعجزات الدالة على صدقه ، فإذا أخبرهم بعد ذلك أن الله أمر الخلق بالإيمان به عرفوا عند ذلك وجوبه بتقرير هذا الدليل في عقولهم فهذا هو المراد من الميثاق (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ) يعني قال الله تعالى : أأقررتم فإن فسرنا أن أخذ الميثاق كان من النبيين ؛ كان معناه قال الله تعالى للنبيين : أأقررتم بالإيمان به والنصر له وإن فسرنا بأن أخذ الميثاق كان على الأمم كان معناه قال كل نبي لأمته أأقررتم وذلك لأنه تعالى أضاف أخذ الميثاق إلى نفسه وإن كان النبيون أخذوه على الأمم فلذلك طلب هذا الإقرار وأضافه إلى نفسه وإن وقع من الأنبياء والمقصود أن الأنبياء بالغوا في إثبات هذا الميثاق وتأكيده على الأمم وطالبوهم بالقبول وأكدوا ذلك بالإشهاد (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي والإصر العهد الثقيل وقيل سمي العهد إصرا لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد. (قالُوا أَقْرَرْنا) أي قال النبيون : أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتبك (قالَ فَاشْهَدُوا) يعني قال الله عزوجل للنبيين : فاشهدوا يعني أنتم على أنفسكم وقيل : على أممكم وأتباعكم الذين أخذتم عليهم الميثاق وقيل : قال الله للملائكة فاشهدوا فهو