لإبراهيم عليهالسلام ، وإنما حرمت على بني إسرائيل بسبب تحريمها إسرائيل على نفسه وقيل صدق الله في أن سائر الأطعمة كانت محللة على بني إسرائيل وإنما حرمت على اليهود جزاء على قبائح أفعالهم ففيه تعريض بكذب اليهود والمعنى ثبت أن الله تعالى صادق فيما أنزل وأخبر وأنتم كاذبون يا معشر اليهود (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي اتبعوا ما يدعوكم إليه محمد صلىاللهعليهوسلم من ملة إبراهيم وهي الإسلام وهو الدين الصحيح وهو الذي عليه محمد ومن آمن معه وإنما دعاهم إلى ملة إبراهيم لأنها ملة محمد صلىاللهعليهوسلم (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي لم يدع مع الله إلها آخر ولا عبدا سواه.
قوله عزوجل : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا للمسلمين بيت المقدس قبلتنا وهو أفضل من الكعبة وأقدم وهو مهاجر الأنبياء وقبلتهم وأرض المحشر. وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل فأنزل الله هذه الآية ، وقيل لما ادعت اليهود والنصارى أنهم على ملة إبراهيم أكذبهم الله تعالى وأخبر أن إبراهيم كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين وأمرهم باتباعه فقال تعالى في الآية المتقدمة : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) وكان من أعظم شعائر ملة إبراهيم الحج إلى الكعبة ذكر في هذه الآية فضيلة البيت ليفرع عليها إيجاب الحج وقوله : إن أول بيت وضع للناس الأول هو الفرد السابق المتقدم على ما سواه وقيل هو اسم للشيء الذي يوجد ابتداء سواء حصل عقبه شيء آخر ، أو لم يحصل والمعنى أن أول بيت وضع للناس أي وضعه الله موضعا للطاعات والعبادات وقبلة للصلاة وموضعا للحج وللطواف تزداد فيه الخيرات وثواب الطاعات وكونه وضع للناس يعني يشترك فيه جميع الناس كما قال تعالى : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ). فإن قلت : كيف أضافه إلى نفسه مرة في قوله وطهر بيتي وأضافه للناس أخرى بقوله وضع للناس. قلت : أما إضافته إلى نفسه فعلى سبيل التشريف والتعظيم له كقوله ناقة الله ، وأما إضافته إلى الناس فلأنه يشترك فيه جميع الناس لأنه موضع حجهم وقبلة صلاتهم للذي ببكة. قيل هي مكة نفسه والعرب تعاقب بين الباء والميم فيقولون ضربة لازب لازم وقيل بكة اسم لموضع البيت ومكة اسم للبلد وفي اشتقاق بكة وجهان : أحدهما : أنه من البك الذي هو عبارة عن الدفع يقال بكه يبكه إذا دفعه وزاحمه ولهذا قال سعيد بن جبير : سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون في الطواف وهو قول محمد بن علي الباقر ومجاهد وقتادة. الوجه الثاني سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها ولم يقصدها جبار بسوء إلا قصمه الله تعالى وهذا قول عبد الله بن الزبير ، وأما مكة فسميت بذلك لقلة مائها من قول العرب مك الفصيل ضرع أمه وامتكه إذا مص كل ما فيه من اللبن ، وقيل لأنها تمك الذنوب أي تزيلها وسميت مكة أم رحم لأن الرحمة تنزل بها ، والحاطمة لأنها تحطم من استخلف بحرمتها ، أو لأن الناس يحطم بعضهم بعضا من الزحمة ، وسميت أم القرى لأنها أصل كل بلدة ومن تحتها دحيت الأرض ، واختلف العلماء في كون البيت أول بيت وضع للناس على قولين : أحدهما أنه أول في الوضع والبناء قال مجاهد : خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين وفي رواية عنه إن الله خلق موضع البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي عام ، وقيل هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السموات والأرض خلقه قبل الأرض بألفي عام وكان زبدة بيضاء على وجه الماء فدحيت الأرض من تحته. وهذا قول ابن عمر ومجاهد وقتادة والسدي. وقيل هو أول بيت بني على الأرض. وروي عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أن الله تعالى وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور وأمر الملائكة أن يطوفوا به ثم أمر الملائكة الذين في الأرض أن يبنوا بيتا في الأرض على مثاله وقدره فبنوا هذا البيت واسمه الضراح ، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور وروي أن الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام وكانوا يحجونه فلما حجه آدم قالت له الملائكة بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وقال ابن عباس : هو أول بيت بناه آدم في الأرض قيل إن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش وشكا الوحشة فأمره الله تعالى ببناء الكعبة فبناها وطاف بها وبقي ذلك البناء إلى زمان نوح