القول فيما بينهم لا عند المؤمنين فأخبر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بذلك فرد الله ذلك عليهم بقوله (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) يعني الجهال. وأصل السفه خفة العقل ورقة العلم وإنما سمى الله المنافقين سفهاء لأنهم كانوا عند أنفسهم عقلاء رؤساء فقلب ذلك عليهم وسماهم سفهاء (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) يعني أنهم كذلك. قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني هؤلاء المنافقين إذا لقوا المهاجرين والأنصار (قالُوا آمَنَّا) كإيمانكم (وَإِذا خَلَوْا) أي رجعوا. وقيل هو من الخلوة (إِلى) قيل بمعنى الباء أي ب (شَياطِينِهِمْ) وقيل بمعنى مع أي مع شياطينهم والمراد بشياطينهم رؤساؤهم وكهنتهم قال ابن عباس وهم خمسة نفر : كعب بن الأشرف من اليهود بالمدينة وأبو بردة من بني أسلم ، وعبد الدار في جهينة وعوف بن عامر في بني أسد وعبد الله بن السوداء بالشام ، ولا يكون كاهن إلّا ومعه شيطان تابع لهم ، وقيل لهم رؤساؤهم الذين شابهوا الشياطين في تمردهم (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) أي على دينكم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) أي بمحمد وأصحابه بما نظهر لهم من الإسلام لنأمن شرهم ونقف على سرهم ونأخذ من غنائمهم وصدقاتهم. قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عبد الله بن أبي لأصحابه انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم؟ فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديق فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم أخذ بيد علي فقال : مرحبا يا ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وختمه وسيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال له علي : اتق الله يا عبد الله ولا تنافق فإن المنافقين شر خليقة الله. فقال مهلا يا أبا الحسن إني لا أقول هذا نفاقا والله إن إيماننا كإيمانكم وتصديقنا كتصديقكم ثم تفرقوا فقال عبد الله لأصحابه كيف رأيتموني فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا.
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩))
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي يجازيهم جزاء استهزائهم بالمؤمنين فسمي الجزاء باسمه لأنه في مقابلته قال ابن عباس يفتح لهم باب الجنة فإذا انتهوا إليه سدّ عنهم وردوا إلى النار (وَيَمُدُّهُمْ) أي يتركهم ويمهلهم. والمد والإمداد واحد وأصله الزيادة وأكثر ما يأتي المد في الشر والإمداد في الخير (فِي طُغْيانِهِمْ) أي في ضلالهم وأصل الطغيان مجاوزة الحد (يَعْمَهُونَ) أي يترددون في الضلالة متحيرين (أُولئِكَ) يعني المنافقين (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي استبدلوا الكفر بالإيمان وإنّما أخرجه بلفظ الشراء والتجارة توسعا على سبيل الاستعارة لأن الشراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر. فإن قلت كيف قال اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى. قلت جعلوا لتمكنهم منه كأنه في أيديهم فإذا تركوه إلي الضلالة فقد عطلوه واستبدلوه بها. والضلالة الجور عن القصد وفقد الاهتداء (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) أي ما ربحوا في تجارتهم والربح الفضل عن رأس المال وأضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) أي مصيبين في تجارتهم ، لأن رأس المال هو الإيمان فلما أضاعوه واعتقدوا الضلالة فقد ضلوا عن الهدى. وقيل وما كانوا مهتدين في ضلالتهم. قوله عزوجل (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) المثل عبارة عن قول يشبه ذلك القول قولا آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره ، ولهذا ضرب الله تعالى الأمثال في كتابه ، وهو أحد أقسام القرآن السبعة ولما ذكر الله تعالى حقيقة