تعالى عليها (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) يعني السحاب (ماءً) يعني المطر (فَأَخْرَجَ بِهِ) أي بذلك الماء (مِنَ الثَّمَراتِ) يعني من ألوان الثمرات وأصناف النبات (رِزْقاً لَكُمْ) أي وعلفا لدوابكم (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) يعني أمثالا تعبدونهم كعادته ، والندّ المثل (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعني أنكم بعقولكم تعلمون أن هذه الأشياء والأمثال لا يصح جعلها أندادا لله ، وأنه واحد خالق لجميع الأشياء وأنه لا مثل له ولا ضد له.
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي إن كنتم في شك لأن الله تعالى عليهم أنهم شاكون (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) أي محمد صلىاللهعليهوسلم لما تقرر إثبات الربوبية لله سبحانه وتعالى وأنه الواحد الخالق وأنه لا ضد له ولا ندّ أتبعه بإقامة الحجة على إثبات نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة ، وأنه من عند الله تعالى لا من عند نفسه كما تدّعون فيه ، وقوله على عبدنا إضافة تشريف لمحمد صلىاللهعليهوسلم وأن القرآن منزل عليه من عند الله سبحانه وتعالى (فَأْتُوا) أمر تعجيز (بِسُورَةٍ) والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر وقيل السورة اسم للمنزلة الرفيعة ، ومنه سور البلد لارتفاعه ، سميت سورة لأن القارئ ينال بها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكمال سور القرآن (مِنْ مِثْلِهِ) أي مثل القرآن ، وقيل الضمير في مثله راجع إلى عبدنا ، يعني من مثل محمد صلىاللهعليهوسلم أميّ لم يحسن الكتابة ولم يجالس العلماء ولم يأخذ العلم عن أحد ، ورد الضمير إلى القرآن أوجه وأولى ويدل عليه أن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في التحدي وإنما وقع الكلام في المنزل ألا ترى أن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فأتوا أنتم بسورة مما يماثله ويجانسه ، ولو كان الضمير مردودا إلى محمد صلىاللهعليهوسلم لقال وإن ارتبتم في أن محمدا منزل عليه فهاتوا قرآنا مثل محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويدل على كون القرآن معجزا ما اشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة في طرفي الإيجاز والإطالة فتارة يأتي بالقصة باللفظ الطويل ثم يعيدها باللفظ الوجيز ولا يخل بالمقصود الأول ، وأنه فارقت أساليبه أساليب الكلام وأوزانه أوزان الأشعار والخطب والرسائل ولهذا تحديت العرب به ، فعجزوا عنه وتحيروا فيه واعترفوا بفضله وهم معدن البلاغة وفرسان الفصاحة ولهم النظم والنثر من الأشعار والخطب والرسائل ، حتى قال الوليد بن المغيرة في وصف القرآن : والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أصله لمغدق وإن أعلاه لمثمر (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله والمعنى إن كان الأمر كما تقولون أنها تستحق العبادة فاجعلوا الاستعانة بها في دفع ما نزل بكم من أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وإلّا فاعلموا أنكم مبطلون في دعواكم أنها إلهة. وقيل معناه وادعوا أناسا يشهدون لكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أن محمدا صلىاللهعليهوسلم تقوله من تلقاء نفسه.
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥))
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي فيما مضى (وَلَنْ تَفْعَلُوا) فيما بقي وهذه الآية دالة على عجزهم وأنهم لم يأتوا بمثله ولا بمثل شيء منه. وذلك أن النفوس الأبية إذا قرعت بمثل هذا التقريع استفرغت الوسع في الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه ولو قدروا على ذلك لأتوا به فحيث لم يأتوا بشيء ظهرت المعجزة للنبي صلىاللهعليهوسلم وبان عجزهم وهم أهل الفصاحة والبلاغة ، والقرآن من جنس كلامهم ، وكانوا حراصا على إطفاء نوره وإبطال أمره ثم مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة من أحدهم ورضوا بسبى الذراري وأخذ الأموال والقتل وإذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإذا كان الأمر كذلك وجب ترك العناد وهو قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ) أي فآمنوا واتقوا بالإيمان النار (الَّتِي وَقُودُهَا) أي حطبها (النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) قال ابن عباس يعني حجارة الكبريت