بسخط من الله مختلفو المنازل عند الله فلمن اتبع رضوان الله الثواب العظيم ولمن باء بسخط من الله ليسوا سواء بل هم درجات عند الله على حسب أعمالهم. وقيل الضمير في قوله هم درجات عائد على قوله أفمن اتبع رضوان الله فقط لأن الغالب في العرف استعمال الدرجات لأهل الثواب والدركات لأهل النار ولأن الله وصف من باء بسخط من الله إن مأواه جهنم وبئس المصير فدل على أن الضمير في قوله هم درجات عند الله عند راجع للأول وفيه تحريض على العمل بطاعته وتحذير عن العمل بمعاصيه. قوله عزوجل : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعني أحسن إليهم وتفضل عليهم والمنة النعمة العظيمة وذلك في الحقيقة لا يكون إلا من الله ومنه قوله تعالى لقد منّ الله على المؤمنين (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) يعني من جنسهم عربيا مثلهم ولد ببلدهم ونشأ بينهم يعرفون نسبه وليس حي من أحياء العرب إلا وقد ولده وله فيهم نسب. إلا بني تغلب فإنهم كانوا نصارى وقد ثبتوا على النصرانية فطهر الله رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أن يكون له فيهم نسب وقيل أراد بالمؤمنين جميع المؤمنين ومعنى قوله تعالى من أنفسهم أي بالإيمان والشفقة لا بالنسب ومن جنسهم ليس بملك ولا أحد من غير بني آدم وقيل من أنفسهم يعني أنه من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهماالسلام ووجه المنّة والإنعام على المؤمنين ببعث الرسول صلىاللهعليهوسلم لكونه داعيا لهم إلى ما يخلصهم من العذاب الأليم ويوصلهم إلى الثواب في جنات النعيم وكونه من أنفسهم ومن جنسهم لأنه إذا كان اللسان واحدا سهل الأخذ عنه فيما يجب عليهم ، وكانوا واقفين على جميع أحواله وأفعاله يعرفون صدقه وأمانته فكان ذلك أقرب إلى تصديقه والوثوق به ، وفي كونه من أنفسهم شرف لهم وكان فيما خطب به أبو طالب حين زوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها وقد حضر ذلك بنو هاشم ورؤساء مضر قوله الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد وعنصر مضر وجعلنا سدنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوبا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس وإن ابني هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به فتى إلا رجح وهو الله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل. وقيل في وجه المنّة ببعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الخلق جبلوا على الجهل ونقصان العقل وقلة الفهم وعدم الدراية فمنّ الله تعالى على خلقه وأنعم عليهم وأحسن إليهم بأن بعث فيهم رسولا من أنفسهم أنقذهم به من الضلالة وبصرهم به من الجهالة وهداهم به إلى صراط مستقيم وإنما خص المؤمنين بالذكر لأنهم هم المنتفعون بما جاء به دون غيرهم (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) يعني يقرأ عليهم كتابه الذي أنزل عليه بعد أن كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي السماوي (وَيُزَكِّيهِمْ) أي ويطهرهم من دنس الكفر ونجاسة المحرمات والخبائث (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) يعني القرآن والسنّة التي سنها لهم على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) يعني من قبل بعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يعني لفي جهالة وحيرة عن الهدى عميا لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فهداهم الله بنبيّه صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) يعني ما أصابهم يوم أحد (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) يعني ببدر وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين وقتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين وقيل إن المسلمين هزموا المشركين يوم بدر وهزموهم في أول الأمر يوم أحد ولما عصوا الله ورسوله هزمهم المشركون فحصل انهزام المشركين مرتين وانهزام المسلمين مرة واحدة (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) أي من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن المسلمون ورسول الله صلىاللهعليهوسلم فينا وهو استفهام إنكار (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) يعني إنما وقعتم فيما وقعتم فيه بشؤم ذنوبكم وهو مخالفتكم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم اختار الإقامة في المدينة على الخروج إلى العدو واختاروا هم الخروج إليه وأيضا أمر الرماة بالإقامة في الموضع الذي عينه لهم فخالفوا وتركوا المركز لأجل الغنيمة فكان ذلك سبب القتل والهزيمة. وروى عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب قال جاء جبريل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسارى وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يضربوا أعناق الأسارى وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم فذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم للناس فقالوا يا رسول الله