الآية الذين قالوا في إخوانهم أو عن إخوانهم الذين قتلوا بأحد لو أطاعونا ما قتلوا لأنهم بعد أن قتلوا لا يخاطبون وعلى القول الثاني يكون معنى الآية الذين قالوا وهم عبد الله بن أبيّ وأصحابه لإخوانهم يعني في النفاق (وَقَعَدُوا) يعني عن الجهاد (لَوْ أَطاعُونا) يعني هؤلاء الذين خرجوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو أطاعونا يعني في القعود عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو الانصراف عنه (ما قُتِلُوا) يومئذ فرد الله تعالى عليهم بقوله (قُلْ) يعني قل لهم يا محمد (فَادْرَؤُا) أي فادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعني أن الحذر لا ينفع من القدر وفي الآية دليل على أن المقتول يموت بأجله خلافا لمن يزعم أن القتل قطع على المقتول أجله (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) قيل نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار. وقال أكثر المفسرين إنها نزلت في شهداء أحد ويدل على ذلك ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معقلة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم. قالوا من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة لئلا يزهدوا في الجنة ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) إلى آخر الآية أخرجه أبو داود (م) عن مسروق قال سألنا عبد الله عن هذه الآية : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فقال أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فأطلع إليهم ربهم اطلاعه فقال : هل تشتهون شيئا قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا.
(ذكر ما يتعلق بهذا الحديث) قول مسروق سألنا عبد الله كذا جاء عبد الله غير منسوب وقد نسبه بعض الناس فقال عبد الله بن عمر قد ذكره أبو مسعود الدمشقي والحميدي في مسنده عن عبد الله بن مسعود وهو الصحيح وهذا الحديث مرفوع لقوله أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال يعني النبي صلىاللهعليهوسلم وفي الحديث دليل عن أن الجنة مخلوقة الآن خلافا للمعتزلة لقوله صلىاللهعليهوسلم تسرح من الجنة حيث شاءت وهو مذهب أهل السنة وفيه دليل على أن الأرواح باقية لا تفنى بفناء الجسد لأن المحسن ينعم ويجازى بالثواب وأن المسيء يعذب ويجازى بالعقاب قبل يوم القيامة وهو مذهب أهل السنة أيضا قوله أرواحهم في جوف طير خضر أي يجعل الله أرواح الشهداء في جوف طير خضر وهذا ليس ببعيد لا سيما مع القول بأن الأرواح أجسام لطيفة. وقيل إن المنعم والمعذب من الأرواح والأجساد جزء من الجسد تبقى فيه الروح وهو الذي يتلذذ بالنعيم ويتألم بالعذاب فغير مستحيل أن يصور الله تعالى ذلك الجزء طائرا ويجعل في جوف طير فتسرح في الجنة وتأوي إلى تلك القناديل وقد تعلق بهذا الحديث من يقول بالتناسخ من المبتدعة ويقول بانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة ويزعمون أن هذا هو الثواب والعقاب وهذا ضلال بيّن وقول سخيف وبدعة باطلة لما في هذا القول من إبطال ما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والمعاد والجنة والنار وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث ما يرد عليهم وهو قوله حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه يعني يحيي جميع جسده يوم يبعثه وهو يوم القيامة والله أعلم. عن جابر قال لقيني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا مهتم فقال ما لي أراك منكسرا قلت يا رسول الله استشهد أبي يوم أحد وترك عيالا ودينا فقال ألا أبشرك بما لقي الله به أباك قلت بلى قال ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإنه أحيا أباك وكلمه كفاحا وقال يا عبدي تمنّ علي أعطك قال : يا رب تحييني فأقتل ثانية قال سبحانه إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون فنزلت : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب