يؤمن والمعنى وما كان الله ليبين لكم أيها الكفار المؤمن من الكافر فيقول فلان مؤمن وفلان كافر أو منافق لأنه لا يعلم الغيب أحد غيره وإن سنة الله جارية أنه لا يطلع على غيبة أحاد الناس فلا سبيل إلى معرفة المؤمن من الكافر والمنافق إلّا بالامتحان بالآفات والمصائب فيتميز المؤمن المخلص بثباته على إيمانه ويتزلزل المنافق عن المحن والبلايا. وقيل في معنى الآية وما كان الله ليطلع محمدا على الغيب فيخبركم بالمؤمن من الكافر (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) يعني ولكن الله يصطفى ويختار من رسله من يشاء فيطلعه على ما يشاء من غيبه (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) يعني أنه لما قالت الدلائل على صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم فلم يبق إلّا الإيمان بالله ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم وإنما قال ورسله على الجمع ولم يقل ورسوله على التوحيد لقوله ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ولأنه إذا أقر بجميع الرسل كان مقرا بأحدهم وهذه صفة المؤمنين لأنهم آمنوا بجميع الرسل (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) يعني وأن تصدقوا اجتبيته برسالتي وأطلعته على ما أشاء من غيبي وأعلمته بالمنافق منكم والمؤمن المخلص وتتقوا ربكم فيما أمركم به ونهاكم عنه (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) يعني فلكم بأيمانكم واتقائكم ثواب جزيل وهو الجنة. قوله عزوجل :
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) يعني ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرا لهم (بَلْ هُوَ) يعني البخل (شَرٌّ لَهُمْ) والبخل هو إمساك المقتنيات عما لا يستحق حبسها عنه والبخيل هو الذي يكثر منه البخل والآية دالة على ذم البخل عن عبد الله بن عمر قال : خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح. أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية فقال عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وابن عباس في رواية أبي صالح عنه والشعبي ومجاهد نزلت هذه الآية في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم ووجه هذا القول أن أكثر العلماء ذهبوا إلى أن البخل عبارة عن منع الواجب وأن من منع التطوع لا يكون بخيلا ويدل عليه الوعيد الشديد في سياق الآية. وهو قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا به وهذا لا يكون إلّا في ترك الواجب لا في التطوع وقال ابن عباس في رواية عطية عنه وابن جريج عن مجاهد أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ونبوته وهذا القول هو اختيار الزجاج ووجه هذا القول أن البخل عبارة عن منع الخير والنفع ويدخل فيه العلم كما يقال بخل فلان بعلمه وصحح الطبري القول الأول واختاره وقوله (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق فإن حملنا معنى الآية على منع الزكاة والبخل بها فقد قال ابن مسعود وابن عباس يجعل ما منعه من الزكاة حية تطوق في عنقه يوم القيامة تنهشه من فرقه إلى قدمه ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من آتاه الله مالا فلم يود زكاته مثل له يوم القيام شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم أخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله» الآية أخرجه البخاري قوله زبيبتان قيل هما النكتتان السوداوان فوق عيني الحية وقيل هما نقطتان يكتنفان فاها وقيل هما زبيبتان في شدقيها وقد جاء في الحديث تفسير لهزمتيه بأنهما شدقاه وقيل إنهما مضغتان في أصل الحنك وقيل هما منحني اللحيين أسفل من الأذنين وكله متقارب. (ق) عن أبي ذر قال : انتهيت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال : هم الأخسرون ورب الكعبة قال : فجئت حتى جلست فلم أتقار أن قمت فقلت يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟ قال هم الأكثرون أموالا إلّا من