المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية وقيل نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليهالسلام فآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم وصدقوه. وقيل نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم وقيل نزلت في جميع مؤمني أهل الكتاب وهذا القول أولى لأنه لما ذكر أحوال الكفار وأحوال أهل الكتاب وأن مصيرهم إلى النار ذكر حال من آمن من أهل الكتاب وأن مصيرهم إلى الجنة فقال تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني بعض اليهود والنصارى أهل التوراة والإنجيل لمن يؤمن بالله يعني من يقر بوحدانية الله وما أنزل إليكم يعني ويؤمن بما أنزل إليكم أيها المؤمنون يعني القرآن وما أنزل إليهم يعني من الكتب المنزلة مثل التوراة والإنجيل والزبور (خاشِعِينَ لِلَّهِ) يعني خاضعين لله متواضعين له غير مستكبرين (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يعني لا يغيرون كتبهم ولا يحرفونها ولا يكتمون صفة محمد صلىاللهعليهوسلم لأجل الرياسة والمأكل والرشى كما يفعله غيرهم من رؤساء اليهود (أُولئِكَ) إشارة إلى أن من هذه صفته من أهل الكتاب (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يعني لهم ثواب أعمالهم التي عملوها لله ذلك الثواب لهم ذخر عند الله يوفيه إليهم يوم القيامة (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يعني إنه تعالى عالم بجميع المعلومات لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده فيجازي كل أحد على قدر عمله لأنه سريع الحساب قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) يعني على دينكم الذي أنتم عليه ولا تدعوه لشدة ولا لغيرها وأصل الصبر حبس النفس عما لا يقتضيه شرع ولا عقل. والصبر لفظ عام تحته أنواع من المعاني قال بعض الحكماء : الصبر على ثلاثة أقسام ترك الشكوى وقبول القضاء وصدق الرضا. وقيل في معنى الآية اصبروا على طاعة الله وقيل على أداء الفرائض وقيل على تلاوة القرآن وقيل اصبروا على أمر الله وقيل اصبروا على البلاء وقيل اصبروا على الجهاد وقيل اصبروا على أحكام الكتاب والسنة (وَصابِرُوا) يعني الكفار والأعداء وجاهدوهم. (وَرابِطُوا) يعني وداوموا على جهاد المشركين واثبتوا عليه. وأصل المرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم. وهؤلاء خيولهم ، بحيث يكون كل من الخصمين مستعدا لقتال الآخر. ثم قيل لكل مقيم بثغر يدفع عمن وراءه مرابط ، وإن لم يكن له مركب مربوط (ق) عن سهل بن سعد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة خير من الدنيا وما عليها». (م) عن سلمان الخير قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان» وقيل المراد بالمرابطة انتظار الصلاة بعد الصلاة قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : لم يكن في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم غزو يرابط فيه ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط فذلكم الرباط» أخرجه مسلم (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قال محمد بن كعب القرظي يقول الله عزوجل : (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما بيني وبينكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) غدا إذا لقيتموني وقال أهل المعاني في معنى هذه الآية يا أيها الذين آمنوا اصبروا على بلائي وصابروا على نعمائي ورابطوا على مجاهدة أعدائي واتقوا محبة سوائي لعلكم تفلحون بلقائي وقيل اصبروا على النعماء وصابروا على البأساء والضراء ورابطوا في دار الأعداء واتقوا إله الأرض والسماء لعلكم تفلحون في دار البقاء وقيل اصبروا على الدنيا ومحنها رجاء السلامة وصابروا عند القتال بالثبات والاستقامة ورابطوا على مجاهدة النفس اللوامة واتقوا الندامة لعلكم تفلحون غدا في دار الكرامة والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.