وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومؤنتهم. وقال الكلبي : إذا علم الرجل إن امرأته سفيهة مفسدة وإن ولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله فيفسده. وقال سعيد بن جبير هو مال اليتيم يكون عندك يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه منه حتى يبلغ وإنما أضاف المال إلى الأولياء لأنهم قوامها ومدبروها. وأصل السفه الخفة واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل في الأمور الدنيوية والدينية والسفيه المستحق الحجر هو الذي يكون مبذرا في ماله ومفسدا في دينه فلا يجوز لوليه أن يدفع إليه ماله. وقيل إن السفه المذكور في هذه الآية ليس هو صفة ذم لهؤلاء وإنما سموا سفهاء لخفة عقولهم ونقصان تمييزهم وضعفهم عن القيام بحفظ المال فقوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) يعني الجهال بموضع الحق أموالكم (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) يعني قوام معايشكم يقول المال هو قوام الناس وقوام معايشهم كن أنت قيم أهلك أنفق عليهم ولا تؤت مالك امرأتك وولدك فيكونوا هم الذين يقومون عليك. ولما كان المال سببا للقيام بالمعاش سمي به إطلاقا لاسم المسبب على السبب على سبيل المبالغة لأنه به يقام الحج والجهاد وأعمال البر وفكاك الرقاب من النار (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) أي أطعموهم (وَاكْسُوهُمْ) يعني لمن يجب عليكم رزقه وكسوته لما نهى الله عن إيتاء المال للسفيه أمر أن يجري رزقه وكسوته وإنما قال : وارزقوهم فيها ولم يقل منها لأنه أراد اجعلوا لهم فيها رزقا والرزق من الله تعالى هو العطية من غير حد ولا قطع ومعنى الرزق من العباد هو الأجر الموظف المعلوم لوقت معلوم محدود (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) يعني قولا جميلا لأن القول الجميل يؤثر في القلب ويزيل السفه وقيل معناه عدوهم عدة جميلة من البر والصلة. قال عطاء يقول : إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت قسمت لك حظا وقيل معناه الدعاء أي ادعوا لهم. قال ابن زيد إن لم يكن ممن تجب عليك نفقته فقل له عافانا الله وإياك بارك الله فيك. وقيل معناه قولوا لهم قولا تطيب به أنفسهم وهو أن يقول الولي لليتيم السفيه : مالك عندي وأنا أمين عليه فإذا بلغت ورشدت أعطيتك مالك. وقال الزجاج معناه علموهم مع إطعامكم وكسوتكم إياهم أمر دينهم مما يتعلق بالعلم والعمل. قوله عزوجل :
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦))
(وَابْتَلُوا الْيَتامى) الآية نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة مات وترك ابنه ثابتا وهو صغير فجاء عمه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال له إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَابْتَلُوا الْيَتامى) يعني اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحقوق أموالهم (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) أي مبلغ الرجال والنساء (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أي أبصرتم وعرفتم (مِنْهُمْ رُشْداً) يعني عقلا وصلاحا في الدين وحفظا للمال وعلما بما يصلحه.
(فصل في أحكام تتعلق بالحجر وفيه مسائل)
المسألة الأولى : الابتلاء يختلف باختلاف أحوال اليتامى فإن كان ممن يتصرف بالبيع والشراء في الأسواق يدفع إليه شيئا يسيرا من المال ، وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في الأسواق فيختبر بنفقته على أهله وعبيده وإجرائه وتصرفه في أموال داره ، وتختبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها فإذا رأى حسن تدبير اليتيم وحسن تصرفه في الأمور مرار أو غلب على الظن رشده دفع إليه ماله بعد بلوغه ولا يدفع إليه ماله وإن كان شيخا يغلب عليه السفه حتى يؤنس منه الرشد.
المسألة الثانية : قال الإمام أبو حنيفة : تصرفات الصبي العاقل المميز بإذن الولي صحيحة. وقال الشافعي