لا يحجر عليه لأن حكم الدوام أقوى من حكم الابتداء. وعند أبي حنيفة لا حجر على الحر العاقل البالغ بحال والدليل على إثبات الحجر من اتفاق الصحابة ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن جعفر ابتاع أرضا سبخة بستين ألف درهم فقال علي : لآتين عثمان ولأحجرن عليك فأتى ابن جعفر الزبير فأعلمه بذلك فقال الزبير أنا شريكك في بيعك فأتى علي عثمان فقال احجر على هذا فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير فكان اتفاقا منهم على جواز الحجر حتى حتى احتال الزبير لدفعه وقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) الخطاب للأولياء يعني يا معشر الأولياء لا تأكلوا أموال اليتامى بغير حق (وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) يعني لا تبادروا كبرهم ورشدهم فتفرطوا في إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهي قبل أن يكبروا فيلزمكم تسليمها إليهم. ثم بيّن تعالى حال الأولياء وقسمهم قسمين فقال تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) أي فليمتنع من أكل مال اليتيم ولا يرزأه قليلا ولا كثيرا (وَمَنْ كانَ فَقِيراً) يعني محتاجا إلى مال اليتيم وهو يحفظه (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إني فقير وليس لي ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل. واختلف العلماء في حكم هذه الآية فروي عن عمر وابن عباس وابن جبير وأبي العالية وعبيدة السلماني وأبي وائل ومجاهد ومقاتل أنه يأخذ من مال اليتيم على وجه القرض. واختلفوا في أنه هل يلزمه القضاء فذهب قوم إلى أنه يلزمه القضاء إذا أيسر وهو المراد من قوله تعالى فليأكل بالمعروف والمعروف القرض أي يستقرض من مال اليتيم إذا احتاج إليه ، فإذا أيسر قضاه وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير قال عمر بن الخطاب : إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف فإذا أيسرت قضيت. وقال قوم لا ضمان عليه ولا قضاء بل يكون ما يأكله كالأجرة له على عمله وهو قول الحسن والشعبي والنخغي وقتادة قال الشعبي لا يأكله إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة ثم القائلون بجواز الأكل من مال اليتيم اختلفوا في قوله فليأكل بالمعروف. فقال عطاء وعكرمة يأكل بأطراف أصابعه ولا يسرف ولا يكتسي منه ولا يلبس الكتان ولا الحلل لكن يأكل ما يسد به الجوع ويلبس ما يستر به العورة. وقال الحسن يأكل من تمر نخله ولبن مواشيه بالمعروف ولا قضاء عليه فأما الذهب والفضة فلا يأخذ منه شيئا فإن أخذ وجب عليه رده. وقال الكلبي المعروف هو ركوب الدابة وخدمة الخادم ، وليس له أن يأكل من ماله شيئا وروي أن رجلا قال لابن عباس إن لي يتيما وإن له إبلا أفأشرب من لبن إبله فقال ابن عباس إن كنت تبغي ضالة إبل وتهنأ جرباها وتليط حوضها وتسقيها يوم ورودها فاشرب غير مضر نسل ولا ناهك في الحلب وقال قوم المعروف أن يأخذ من ماله بقدر قيامه وأجرة عمله ولا قضاء عليه وهو قول عائشة وجماعة من أهل العلم وقوله تعالى : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) هذا أمر إرشاد وليس بواجب أمر الله تعالى الولي بالإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد البلوغ لتزول عنه التهمة وتنقطع الخصومة لأنه إذا كانت عليه بينة كان أبعد من أن يدعى عدم القبض وتظهر بذلك أمانة الوصي وتسقط عنه اليمين عند إنكار اليتيم القبض (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) يعني محاسبا ومجازيا وشاهدا به قوله تعالى :
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧))
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) نزلت هذه الآية في أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأته ويقال لها أم كحة وثلاث بنات منها فقام رجلان هما ابن عم الميت ووصياه يقال لهما سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا من ماله. وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير من الذكور وإنما كانوا يورثون الرجال يقولون لا يعطى الإرث إلّا من قاتل وحاز الغنيمة وحمى الحوزة فجاءت أم