سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أم. فأن قلت إن الله تعالى قال وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة ثم قال تعالى وله أخ فذكر الرجل ولم يذكر المرأة فما السبب فيه. قلت هذا على عادة العرب فإنهم إذا ذكروا اسمين ثم أخبروا عنهما وكان في الحكم سواء ربما أضافوا أحدهما إلى الآخر وربما أضافوا إليهما فهو كقوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة ، ثم قال تعالى وإنها لكبيرة وقال الفراء إذا جاء حرفان بمعنى واحد جاز إسناد التفسير إلى أيهما أريد ويجوز إسناده إليهما أيضا (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) وهذا إجماع العلماء أن أولاد الأم إذا كانوا اثنين فصاعدا يشتركون في الثلث ذكرهم وأنثاهم فيه سواء قال أبو بكر الصديق في خطبته : إلّا أن الآية التي أنزل الله في أول سورة النساء من شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد والأم والآية الثانية في الزوج والزوجة والإخوة من الأم والآية الثالثة التي ختم الله بها سورة النساء في الإخوة والأخوات من الأب والأم والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها الله في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.
وقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ) تقدم تفسيره وبقي شيء من الأحكام يذكر هنا وذلك أن ظاهر الآية يدل على جواز الوصية بكل المال وببعضه وفي معنى الآية ما روي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به» وفي رواية له شيء يريد أن يوصى به أن يبيت ليلتين وفي رواية ثلاث ليال إلّا ووصيته مكتوبة عنده. قال نافع : سمعت عبد الله بن عمر يقول ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ذلك إلّا وعندي وصيتي مكتوبة أخرجاه في الصحيحين ، ففي ظاهر الآية والحديث ما يدل على إطلاق الوصية لكن ورد في السنة ما يدل على تقييد هذا المطلق وتخصيصه وهو قوله صلىاللهعليهوسلم في حديث سعد بن أبي وقاص قال : الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء أخير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس أخرجاه في الصحيحين. ففي هذا الحديث دليل على أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث وأن النقصان عن الثلث جائز ولا تجوز الوصية لوارث ويدل عليه ما روي عن عمرو بن خارجة قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله عزوجل أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر» أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث أخرجه أبو داود.
وقوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ) يعني غير مدخل الضرر على الورثة بمجاوزة الثلث في الوصية وهو أن يوصي بأكثر من الثلث وقيل هو أن يوصي بدين ليس عليه أو يقر بماله أو أكثر ماله لأجنبي ويترك ورثته عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار ، ثم قرأ أبو هريرة من بعد وصية يوصي بها أو دين إلى قوله وذلك هو الفوز العظيم أخرجه أبو داود والترمذي. وقال قتادة : كره الله تعالى الضّرار في الحياة وعند الموت فنهى عنه وقدم فيه وقيل : إن الإضرار في الوصية من الكبائر لأن مخالفة أمر الله عزوجل كبيرة وقد نهى الله عن الإضرار في الوصية فدل على أن ذلك من الكبائر ، واعلم أن الأولى بالإنسان أن ينظر عند الموت في قدر ما يخلف من المال ومن يخلف من الورثة ثم يجعل وصيته بحسب ذلك فإن كان ماله قليلا ، وفي الورثة كثرة فالأولى به أن لا يوصي بشيء لقوله صلىاللهعليهوسلم لسعد بن أبي وقاص : «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» وإن كان في المال كثرة أوصى بحسب المال وبحسب الورثة وحاجتهم بعده في القلة والكثرة.
وقوله تعالى : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) أي فريضة من الله وقيل عهدا من الله إليكم فيما يجب لكم من ميراث من مات منكم (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعني أنه عالم بمصالح عباده ومضارهم وبما يفرض عليهم من الأحكام وقيل عليم بمن يجوز في وصيته وبمن لا يجور (حَلِيمٌ) يعني أنه تعالى ذو حلم وذو أناة في ترك العقوبة عمن جار في وصيته وقال أبو سليمان الخطابي : الحليم ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب ولا يستخفه جهل جاهل والحليم هو الصفوح مع القدرة المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة. قوله عزوجل :