المفسدين ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) فإن قلت قد تعلقت الوعيدية بهذه الآية وقالوا أخبر الله تعالى إن عصاة المؤمنين إذا أهملوا أمرهم إلى انقضاء آجالهم حصلوا على عذاب الآخرة مع الكفار لأن الله تعالى جمعهم في قوله أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما ، وأيضا أنه تعالى أخبر أنه لا توبة لهم عند معاينة الموت وأسبابه. قلت ليس الأمر على ما زعموا فقد روي عن ابن عباس في قوله وليست التوبة للذين يعملون السيئات يريد الشرك وقال سعيد بن جبير : نزلت الآية الأولى في المؤمنين يعني قوله : إنما التوبة على الله والوسطى في المنافقين يعني قوله وليست التوبة والأخرى في الكافرين يعني قوله ولا الذين يموتون وهم كفار وإذا كانت الآية نازلة في المنافقين والكفار فلا وجه لحملها على المؤمنين وعلى تقدير أن تكون الآية نازلة في عصاة المؤمنين فقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى : وليست التوبة للذين يعملون السيئات الآية ، ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فحرم الله المغفرة على من مات وهو كافر وارجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ولم يؤيسهم من المغفرة فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة في حق المؤمنين.
وقوله تعالى : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) معناه لا توبة للكفار إذا ماتوا على كفرهم وإنما لم تقبل توبتهم في الآخرة لرفع التكليف في الآخرة ومعاينة ما وعدوا به من العقاب (أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ) أي هيأنا لهم (عَذاباً أَلِيماً) قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) نزلت في أهل المدينة وذلك أنهم كانوا في الجاهلية في أول الإسلام إذا مات الرجل وخلف امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبة من ذوي عصبته ، فألقى ثوبه على تلك المرأة أو على خبائها فصار أحق بها من نفسها ومن غيره فإن شاء تزوجها بغير صداق إلّا الصداق الأول الذي أصدقها الميت وإن شاء زوجها غيره وأخذ هو صداقها وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارها بذلك لتفتدي منه بما ورثت من الميت أو تموت هي فيرثها فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوبه كانت أحق بنفسها وكانوا على ذلك حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية فقام ابن له من غيرها يقال له حصن ، وقيل اسمه قيس بن أبي قيس فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها فلم ينفق عليها يضارها بذلك لتفتدي منه فأتت كبيشة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت له : يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث نكاحي ابنه فلا هو ينفق عليّ ولا هو يدخل بي ولا يخلي سبيلي ، فقال اقعدي في بيتك حتى يأتي أمر الله فيك فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) يعني ميراث نكاح النساء وقيل في معناه أن ترثوا أموالهن كرها يعني وهن كارهات (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) أي ولا تمنعوهن من الأزواج وأصل العضل المنع (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) يعني لتضجر فتفتدي ببعض مالها قيل هو خطاب للأزواج قال ابن عباس : هذا في الرجل تكون له امرأة وهو كاره لها ولصحبتها ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي منه وترد إليه ما ساق إليها من المهر فنهى الله عن ذلك وقيل كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها ثم يطلقها يضارها بذلك فنهوا عن ذلك وهو خطاب لأولياء الميت فنهاهم الله عن عضل المرأة ثم قال تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) يعني فحينئذ يحل لكم إضرارهن ليفتدين منكم واختلفوا في الفاحشة المبينة فقيل هي النشوز وسوء الخلق وإيذاء الزوج وأهله ، وقيل الفاحشة هي الزنى يعني أن المرأة إذا نشزت أو زنت حلّ للزوج أن يسألها الخلع وقيل كانت المرأة إذا أصابت فاحشة أخذ منها زوجها ما ساق إليها وأخرجها فنسخ الله ذلك بالحدود (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) قيل هو راجع للكلام الذي قبله والمعنى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وعاشروهن بالمعروف هو الإجمال في القول والمبيت والنفقة وقيل هو أن تصنع لها كما تحب أن تصنع لك (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) يعني فإن كرهتم عشرتهن وصحبتهن وآثرتم فراقهن (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) قال ابن عباس : ربما رزق منها ولدا صالحا فجعل الله في ولدها خيرا كثيرا فتنقلب تلك الكراهة محبة