العقد (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) إنما قال من أصلابكم احترازا من التبني ليعلم أن زوجة المتبنى لا تحرم على الرجل الذي تبناه لأنه كان في صدر الإسلام بمنزلة الابن فنسخ الله ذلك وقال تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) وتزوّج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زوجة زيد بن حارثة وكان قد تبناه فقال المشركون تزوج زوجة ابنه فأنزل الله تعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم وقال تعالى لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم وقوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) يعني لا يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين في نكاح واحد سواء كانت الأخوة بينهما أخوة نسب أو رضاع والجمع بين الأختين يقع على ثلاثة أوجه : أحدهما أن يجمع بينهما بعقد واحد فهذا العقد فاسد لا يصح فلو تزوّج إحدى الأختين ثم تزوّج الأخرى بعدها فهاهنا يحكم ببطلان نكاح الثانية فلو طلق الأولى طلاقا بائنا جاز له نكاح أختها ، الوجه الثاني من صور الجمع بين الأختين هو أن يجمع بينهما بملك اليمين فلا يجوز له أن يجمع بينهما في الوطء فإذا وطئ إحداهما حرمت عليه الثانية حتى يحرم الأولى ببيع أو هبة أو عتق أو كتابة ، الوجه الثالث من صور الجمع بين الأختين هو أن يتزوج إحداهما ويشتري الأخرى فيملكها بملك اليمين فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع بينهما لأن ظاهر هذه الآية يقتضي تحريم الجمع مطلقا فوجب أن يحرم الجمع بينهما على جميع الوجوه وذهب بعضهم إلى جوازه والقول الأول أصح ، وأولى لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان عن أختين مملوكتين لرجل هل يجمع بينهما فقال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله عنه فقال أما أنا فلو كان لي من الأمر شيء لم أجد أحد فعل ذلك إلّا جعلته نكالا قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب قال مالك أنه بلغه عن الزبير بن العوام مثل ذلك أخرجه مالك في الموطأ وقوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) يعني لكن ما قد مضى فإنه معفو عنه بدليل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) وقيل إن فائدة هذا الاستثناء أن أنكحة الكفار صحيحة فلو أسلم عن أختين قيل له اختر أيتهما شئت. ويدل على ذلك ما روي عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال طلق أيتهما شئت أخرجه أبو داود.
فروع تتعلق بحكم الآية. الأول : لا يجوز الجمع بين المرأة ولا بين المرأة وخالتها ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» أخرجه في الصحيحين قال بعض العلماء في حد ما يحرم الجمع كل امرأتين بينهما قرابة أو لبن لو كان ذلك بينك وبين المرأة لم يجز لك نكاحها لم يجز لك الجمع بينهما.
الفرع الثاني : المحرمات بالنسب سبعة أصناف ذكرت في الآية نسقا والمحرمات بالسبب صنفان : صنف يحرم بالرضاع وهن الأمهات والأخوات على ما تقدم ذكره وصنف يحرم بالمصاهرة وهي أم المرأة وحليلة الابن وزوجة الأب وقد تقدم ذكرها في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) الآية والربائب على التفصيل المذكور والجمع بين الأختين.
الفرع الثالث : التحريم الحاصل بسبب المصاهرة إنما حصل بنكاح صحيح فلو زنى بامرأة لم تحرم عليه أمها ولا بنتها لو أراد أن يتزوج بهن وكذلك لا تحرم المزني بها على آباء الزاني ولا أبنائه إنما تتعلق الحرمة بنكاح صحيح أو بنكاح فاسد يجب لها به الصداق وتجب عليها العدة ويلحق به الولد. وهذا قول علي وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وإليه ذهب مالك والشافعي وفقهاء الحجاز. وذهب قوم إلى أن الزنى يتعلق به تحريم المصاهرة يروى ذلك عن عمران بن حصين وأبي هريرة وبه قال جابر بن زيد والحسن وأهل العراق. ولو لمس امرأة أجنبية بشهوة أو قبّلها بشهوة هل يجعل ذلك كالدخول في إثبات تحريم المصاهرة وكذلك لو لمس امرأة بشهوة هل يجعل ذلك كالوطء في تحريم الربيبة؟ فيه قولان : أصحهما أنه تثبت به حرمة