أحكام الشرائع فهو عام في كل أحكام الشرع وجميع ما يسره لنا وسهله علينا إحسانا منه إلينا وتفضلا ولطفا علينا ، ولم يثقل التكاليف علينا كما ثقلها على بني إسرائيل فهو كقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وكما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال بعثت بالحنيفية السهلة السمحة. وقوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) يعني في قلة الصبر عن النساء فلا صبر له عنهن وقيل إنه لضعفه يستميله هواه فهو ضعيف العزم عن قهر الهوى وقيل هو ضعيف في أصل الخلقة لأنه خلق من ماء مهين. قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) يعني بالحرام الذي لا يحل في الشرع كالربا والقمار والغصب والسرقة والخيانة وشهادة الزور وأخذ المال باليمين الكاذبة ونحو ذلك. وإنما خص الأكل بالذكر ونهى عنه تنبيها على غيره من جميع التصرفات الواقعة على وجه الباطل لأن معظم المقصود من المال الأكل ، وقيل يدخل فيه أكل ماله نفسه بالباطل ومال غيره أما أكل ماله بالباطل فهو إنفاقه في المعاصي ، وأما أكل مال غيره فقد تقدم معناه وقيل يدخل في أكل المال الباطل جميع العقود الفاسدة. وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) هذا الاستثناء منقطع لأن التجارة عن تراض ليست من جنس أكل المال بالباطل فكان إلا هاهنا بمعنى لكن يحل أكله بالتجارة عن تراض يعني بطيبة نفس كل واحد منكم. وقيل هو أن يخير كل واحد من المتبايعين صاحبه بعد البيع فيلزم وإلّا فلهما الخيار ما لم يتفرقا لما روي عن ابن عمران أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع» أخرجاه في الصحيحين. وقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يقتل بعضكم بعضا وإنما قال أنفسكم لأنهم أهل دين واحد فهم كنفس واحدة وصح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في حجة الوداع «ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» وقيل إن هذا نهي للإنسان عن قتل نفسه (ق) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» قوله يتردى التردي هو الوقوع من موضع عال إلى أسفل قوله يتوجأ يقال وجأته بالسكين إذا ضربته بها وهو يتوجأ أي يضرب بها نفسه (ق) عن جندب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله تبارك وتعالى : بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة. وفي رواية قال : كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات فقال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة وقيل في معنى قتل الإنسان نفسه أن لا يفعل شيئا يستحق به القتل مثل أن يقتل فيقتل به فيكون هو الذي تسبب في قتل نفسه ، وقيل معناه ولا تقتلوا أنفسكم بأكل المال بالباطل وقيل معناه ولا تهلكوا أنفسكم بأن تعملوا عملا ربما أدى إلى قتلها (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) يعني أنه تعالى من رحمته بكم نهاكم عن كل شيء تستوجبون به مشقة أو محنة وقيل إنه تعالى أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم ليكون ذلك توبة لهم وكان بكم يا أمة محمد رحيما حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الشاقة الصعبة.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١))
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) يعني ما سبق ذكره من قتل النفس المحرمة لأن الضمير يعود إلى أقرب المذكورات وقيل : إنه يعود إلى قتل النفس وأكل المال بالباطل لأنهما مذكوران في آية واحدة وقيل إنه يعود إلى كل ما نهى الله عنه من أول السورة إلى هنا (عُدْواناً وَظُلْماً) يعني يتجاوز الحد فيضع الشيء في غير موضعه فلذلك قيده