لتغليب العقلاء عليهم كما يعبر عن الذكور والإناث بلفظ الذكور (عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ) يعني تعجيزا لهم (أَنْبِئُونِي) أي أخبروني (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) يعني تلك الأشخاص (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي إني لم أخلق خلقا إلّا كنتم أفضل منه وأعلم (قالُوا) يعني الملائكة (سُبْحانَكَ) تنزيها لك وذلك لما ظهر عجزهم (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) أي إنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلّا ما علمتنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) أي بخلقك وهو من أسماء الصفات التامة وهو المحيط بكل المعلومات (الْحَكِيمُ) أي في أمرك ، وله معنيان أحدهما أنه القاضي العدل والثاني المحكم للأمر كيلا يتطرق إليه الفساد.
(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥))
(قالَ) يعني الله تعالى (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) وذلك لما ظهر عجز الملائكة فسمى كل شيء باسمه وذكر وجه الحكمة التي خلق لها (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ) يعني الله تعالى (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) يعني يا ملائكتي (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني ما كان وما سيكون وذلك أنه سبحانه وتعالى علم أحوال آدم قبل أن يخلقه فلهذا قال لهم : إني أعلم ما لا تعلمون (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) يعني قول الملائكة : أتجعل فيها (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) يعني قولكم لن يخلق الله تعالى خلقا أكرم عليه منا وقال ابن عباس أعلم ما تبدون من الطاعة وما كنتم تكتمون ، يعني إبليس من المعصية. قوله عزوجل : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) قيل هذا الخطاب كان مع الملائكة الذين كانوا سكان الأرض والأصح أنه خطاب مع جميع الملائكة بدليل قوله : «فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلّا إبليس» (فَسَجَدُوا) يعني الملائكة وفي هذا السجود قولان أصحهما أنه كان لآدم على الحقيقة ولم يكن فيه وضع الجبهة على الأرض وإنما هو الانحناء وكان سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة كسجود إخوة يوسف له في قوله : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام. وفي سجود الملائكة لآدم معنى الطاعة لله تعالى والامتثال لأمره. والقول الثاني أن آدم كان كالقبلة ، وكان السجود لله تعالى ، كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله تعالى ، وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السنة في تفضيل الأنبياء على الملائكة (إِلَّا إِبْلِيسَ) سمي به لأنه أبلس من رحمة الله أي يئس ، وكان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعربية الحارث فلما عصى غير اسمه فسمي إبليس وغيرت صورته قال ابن عباس كان إبليس من الملائكة بدليل أنه استثناه منهم وقيل إنه من الجن لأنه خلق من النار ولملائكته خلقوا من النور ولأنه أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس والأول أصح لأن الخطاب كان مع الملائكة فهو داخل فيهم ثم استثناه منهم (أَبى) أي امتنع من السجود فلم يسجد (وَاسْتَكْبَرَ) أي تكبر وتعظم عن السجود لآدم (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي في علم الله تعالى فإنه وجبت له النار لسابق علم الله تعالى بشقاوته (م) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله» وفي رواية يا ويلتاه أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار. قوله عزوجل (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أي اتخذها مأوى ومنزلا وليس معناه الاستقرار لأنه لم يقل أسكنتك الجنة لأنه خلق لعمارة الأرض ولما أسكن الله آدم في الجنة بقي وحده ليس معه من يستأنس به ويجالسه فألقى الله عليه النوم ثم أخذ ضلعا من أضلاع جنبه الأيسر ، وهو الأقصر فخلق منه زوجته حواء ، ووضع مكان الضلع لحما من غير أن يحس بذلك آدم ولم يجد ألما ، ولو وجد ألما لما عطف رجل على امرأة قط ، وسميت