وقيل الصبر هو الصوم لأن فيه حبس النفس عن المفطرات وعن سائر اللذات وفيه انكسار النفس والصلاة ، أي اجمعوا بين الصبر والصلاة وقيل معناه واستعينوا بالصبر على الصلاة وعلى ما يجب فيها من تصحيح النية وإحضار القلب ومراعاة الأركان والآداب مع الخشوع والخشية ، فإن من اشتغل بالصلاة ترك ما سواها. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، أي إذا أهمه أمر لجأ إلى الصلاة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه نعي له أخوه قثم وهو في سفره فاسترجع ثم تنحى عن الطريق ، فصلى ركعتين أطال فيهما السجود ، ثم قام إلى راحلته وهو يقول : فاستعينوا بالصبر والصلاة (وَإِنَّها) يعني الصلاة وقيل الاستعانة (لَكَبِيرَةٌ) أي ثقيلة (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) يعني المؤمنين وقيل الخائفين : وقيل المطيعين المتواضعين لله وأصل الخشوع السكون فالخاشع ساكن إلى الطاعة وقيل الخشوع الضراعة وأكثر ما تستعمل في الجوارح وإنما كانت الصلاة ثقيلة على غير الخاشعين لأن من لا يرجو لها ثوابا ولا يخاف على تركها عقابا فهي ثقيلة عليه. وأما الخاشع الذي يرجو لها ثوابا ويخاف على تركها عقابا فهي سهلة عليه (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي يستيقنون وقيل يعلمون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) يعني في الآخرة وفيه دليل على ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) يعني بعدت فيجزيهم بأعمالهم. قوله عزوجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) إنما أعاد هذا الكلام مرة أخرى توكيدا للحجة عليهم وتحذيرا من ترك اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) يعني على عالمي زمانكم وهذا التفضيل وإن كان في حق الآباء ولكن يحصل به الشرف للأبناء (وَاتَّقُوا يَوْماً) أي واخشوا عذاب يوم (لا تَجْزِي) أي لا تقضى (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) يعني حقا لزمها. وقيل معناه لا تنوب نفس عن نفس يوم القيامة ، ولا ترد عنها شيئا مما أصابها ، بل يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه و (لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) أي في ذلك اليوم والمعنى لا تقبل الشفاعة إذا كانت النفس كافرة ، وذلك أن اليهود قالوا يشفع لنا آباؤنا فرد الله عليهم ذلك بقوله ولا تقبل منها شفاعة وقيل إن طاعة المطيع لا تقضي عن العاصي ما كان واجبا عليه وقيل معناه أن النفس الكافرة لو جاءت بشفيع لا يقبل منها (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) أي فدية وهو مماثلة الشيء بالشيء (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي لا يمنعون من العذاب.
قوله عزوجل : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) أي واذكروا إذ خلصنا أسلافكم وأجوادكم فاعتدها نعمة ومنة عليهم لأنهم نجوا بنجاة أسلافهم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي من أتباعه وأهل دينه وفرعون اسم علم لمن كان يملك مصر من القبط والعماليق وفرعون هذا كان اسمه الوليد بن مصعب بن الريان وعمر أكثر من أربعمائة سنة (يَسُومُونَكُمْ) أي يكلفونكم ويذيقونكم (سُوءَ الْعَذابِ) أي أشد العذاب وأسوأه ، وقيل : يصرفونكم في العذاب مرة كذا ومرة كذا ، وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وخولا ، وصنفهم في الأعمال أصنافا : صنف يبنون ويزرعون ، وصنف يخدمونه ومن لم يكن في عمل وضع عليه الجزية وقال ابن وهب : كانوا أصنافا في أعمال فرعون فذوو القوة يسلخون السواري من الجبال ، حتى تقرعت أيديهم وأعناقهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها وصنف ينقلون الحجارة والطين يبنون له القصور ، وطائفة يضربون اللبن ويطبخون الآجر ، وطائفة نجارون وحدادون ، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج يعني الجزية ضريبة يؤدونها كل يوم ، فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته ، غلبت يداه إلى عنقه شهرا والنساء يغزلن الكتان وينسجنه وقيل تفسير يسومونكم سوء العذاب ، ما بعده وهو قوله عزوجل : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يتركونهن أحياء. وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر ، وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرض لبني إسرائيل فهاله ذلك ، وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا : يولد غلام يكون على يديه هلاكك وزوال ملكك فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل ، ووكل بالقوابل فكنّ يفعلن ذلك حتى قتل في طلب موسى اثني عشر ألفا وقيل : سبعين ألفا ، وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤساء القبط على فرعون وقالوا : إن الموت قد وقع ببني إسرائيل