(فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) يعني مثل عيسى ومحمد صلّى الله عليهما وسلم (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) يعني مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوه ، وذلك أن اليهود كانوا إذا جاءهم رسول بما لا يهوون كذبوه فإن تهيأ لهم قتله قتلوه وإنما كانوا كذلك لإرادتهم الدنيا وطلب الرياسة (وَقالُوا) يعني اليهود (قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف وهو الذي عليه غشاوة فلا يعي ولا يفقه. قال ابن عباس غلف بضم اللام جمع غلاف والمعنى أن قلوبنا أوعية للعلم فلا تحتاج إلى علمك وقيل أوعية من الوعي لا تسمع حديثا إلا وعته إلا حديثك فإنها لا تعيه ولا تعقله ولو كان خيرا لفهمته ووعته قال الله تعالى : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي طردهم وأبعدهم من كل خير. وسبب كفرهم أنهم اعترفوا بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ثم إنهم أنكروه وجحدوه فلهذا لعنهم الله تعالى : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) أي لم يؤمن منهم إلا قليل لأن من آمن من المشركين كان أكثر منهم. قوله عزوجل :
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)) (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعني القرآن (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) يعني التوراة وهذا التصديق في صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم لأن نبوته وصفته ثابتة في التوراة (وَكانُوا) يعني اليهود (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم (يَسْتَفْتِحُونَ) أي يستنصرون به (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني مشركي العرب وذلك أنهم كانوا إذا أحزنهم أمر ودهمهم عدو يقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) أي الذي عرفوه يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم عرفوا نعته وصفته وأنه من غير بني إسرائيل (كَفَرُوا بِهِ) أي جحدوه وأنكروه بغيا وحسدا (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي بئس شيء اشتروا به أنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق واشتروا بمعنى باعوا والمعنى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) يعني القرآن (بَغْياً) أي حسدا (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعني الكتاب والنبوة (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (فَباؤُ) أي فرجعوا (بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) أي مع غضب قال ابن عباس الغضب الأول بتضييعهم التوراة وتبديلها والثاني بكفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل والثاني بمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن.
وقيل : الأول بعبادتهم العجل والثاني : بكفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم (وَلِلْكافِرِينَ) يعني الجاحدين نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم من الناس كلهم (عَذابٌ مُهِينٌ) أي يهانون فيه.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) يعني بالقرآن وقيل : بكل ما أنزل الله (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) يعني التوراة وما أنزل على أنبيائهم (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) أي بما سواه من الكتب وقيل : بما بعده يعني الإنجيل