منه ، وقيل : المراد من عداوتهم لله وعداوتهم لأوليائه وأهل طاعته فهو كقوله «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله» أي يحاربون أولياء الله وأهل طاعته. وقوله وملائكته ورسله ، يعني أن من عادى واحدا منهم فقد عادى جميعهم ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بجميعهم وجبريل وميكائيل إنما خصهما بالذكر وإن كانا داخلين في جملة الملائكة لبيان شرفهما وفضلهما وعلو منزلتهما وقدم جبريل على ميكائيل لفضله عليه لأن جبريل ينزل بالوحي الذي هو غذاء الأرواح وميكائيل ينزل بالمطر الذي هو سبب غذاء الأبدان ، وجبريل وميكائيل اسمان أعجميان. ومعناهما : عبد الله وعبد الله لأن جبر وميك بالسريانية هو العبد وإيل هو الله (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قال ابن عباس : هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله هذه الآيات ، ومعنى بينات واضحات مفصلات بالحلال والحرام والحدود والأحكام (وَما يَكْفُرُ بِها) أي وما يجحد بهذه الآيات (إِلَّا الْفاسِقُونَ) أي الخارجون عن طاعتنا وما أمروا به (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) قال ابن عباس : لما ذكرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما أخذ عليهم من العهود في محمد صلىاللهعليهوسلم وأن يؤمنوا به قال مالك بن الصيف : والله ما عهد إلينا في محمد عهد فأنزل الله هذه الآية أو كلما استفهام إنكار عاهدوا عهدا هو قولهم : إنه قد أظلّ زمان نبي مبعوث وإنه في كتابنا وقيل إنهم عاهدوا الله عهودا كثيرة ثم نقضوها (نَبَذَهُ) أي طرح العهد ونقضه (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعني اليهود (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني كفر فريق منهم بنقض العهد وكفر فريق منهم بالجحد للحق.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)).
(وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) يعني مصدق بصحة التوراة ونبوة موسى عليه الصلاة والسلام وقيل : إن التوراة بشرت بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم فلما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم كان مجرد مبعثه مصدقا للتوراة (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) قيل : أراد بالكتاب القرآن. وقيل : التوراة وهو الأقرب لأن النبذ لا يكون إلّا بعد التمسك ، ولم يتمسكوا بالقرآن. أما نبذهم التوراة فإنهم كانوا يقرءونها ولا يعملون بها. وقيل : إنهم أدرجوها في الحرير وحلوها بالذهب ولم يعملوا ما فيها (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يعني أنهم نبذوا كتاب الله ورفضوه عن علم به ومعرفة ، وإنما حملهم على ذلك عداوة النبي صلىاللهعليهوسلم وهم علماء اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وكتموا أمره وكان أولئك النفر قليلا. قوله عزوجل : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) يعني اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلو الشياطين ، ومعنى تتلو تقرأ من التلاوة وقيل معناه تفتري وتكذب (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) وهو قولهم : إن سليمان ملك الناس بالسحر وقيل : على ملك سليمان أي على عهده وزمانه. وقصة ذلك أن الشياطين كتبوا السحر والنيرنجيات على لسان آصف : هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك وكتبوه ودفنوه تحت كرسيه وذلك حين نزع الله عنه الملك ولم يشعر بذلك وقيل : إن بني إسرائيل اشتغلوا بتعليم السحر في زمانه فمنعهم سليمان من ذلك وأخذ كتبهم ودفنها تحت سريره ، فلما مات استخرجها الشياطين. وقالوا للناس إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه فأما صلحاء بني إسرائيل وعلماؤهم فأنكروا ذلك.