أنه قرأ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) وعنده يهودي فقال : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذناها عيدا فقال ابن عباس : «فإنها نزلت في يوم عيدين في يوم جمعة ويوم عرفة» أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب.
قال ابن عباس : كان في ذلك اليوم خمسة أعياد يوم جمعة ، ويوم عرفة ، وعيد لليهود ، وعيد للنصارى ، وعيد للمجوس. ولم تجتمع أعياد لأهل الملل في يوم واحد قبله ولا بعده.
وروي أنه لما نزلت هذه الآية ، بكى عمر فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما يبكيك يا عمر؟ فقال أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا. فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص قال : صدقت» فكانت هذه الآية نعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عاش بعدها أحدا وثمانين يوما ومات صلىاللهعليهوسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول وقيل : لاثنتي عشر ليلة وهو الأصح سنة إحدى عشرة من الهجرة. وأما تفسير الآية فقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يعني بالفرائض والسنن والحدود والأحكام والحلال والحرام ولم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض هذا معنى قول ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير وقتادة : معنى أكملت لكم دينكم ، أي حيث لم يحج معكم مشرك وخلا الموسم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمسلمين. وقيل : معناه أني أظهرت دينكم على الأديان وأمنتكم من عدوكم بأن كفيتكم ما كنتم تخافونه. وقيل : إكمال الدين لهذه الأمة أنه لا يزول ولا ينسخ وإن شريعتهم باقية إلى يوم القيامة. وقيل : إكمال الدين لهذه الأمة أنهم آمنوا بكل نبي وكل كتاب ولم يكن هذا لغير هذه الأمة. وقال ابن الأنباري : اليوم أكملت شرائع الإسلام على غير نقصان كان قبل هذا الوقت وذلك أن الله تعالى كان يتعبد خلقه بالشيء في وقت ثم يزيد عليه في وقت آخر فيكون الوقت الأول تاما في وقته ، وكذلك الوقت الثاني تاما في وقته فهو كما يقول القائل : عندي عشرة كاملة. ومعلوم أن العشرين أكمل منها والشرائع التي تعبد الله عزوجل بها عباده في الأوقات المختلفة مختلفة وكل شريعة منها كاملة في وقت التعبد بها فكمل الله عزوجل الشرائع في اليوم الذي ذكره وهو يوم عرفة ولم يوجب ذلك أن الدين كان ناقصا في وقت من الأوقات ونقل الإمام فخر الدين الرازي عن القفال واختاره أن الدين ما كان ناقصا البتة بل كان أبدا كاملا كانت الشرائع النازلة من عند الله كافية في ذلك الوقت إلا أنه تعالى كان عالما في أول وقت البعثة بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد لا يصالح فيه لا جرم كان ينسخ بعد الثبوت وكان يزيل بعد التحتم.
وأما في آخر زمان البعثة ، فأنزل الله شريعة كاملة وحكم ببقائها إلى يوم القيامة ، فالشرع أبدا كان كاملا إلا أن الأول كمال إلى يوم مخصوص ، والثاني كمال إلى يوم القيامة ، فلأجل هذا المعنى قال : اليوم أكملت لكم دينكم. ثم قال تعالى : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) يعني بإكمال الدين والشريعة ، لأنه لا نعمة أتم من الإسلام.
وقال ابن عباس : حكم لها بدخول الجنة. وقيل : معناه أنه تعالى أنجز لهم ما وعدهم في قوله ولأتم نعمتي عليكم فكان من تمام النعمة أن دخلوا مكة آمنين وحجّوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) يعني واخترت لكم الإسلام دينا من بين الأديان وقيل : معناه ورضيت لكم الإسلام لأمري والانقياد لطاعتي فيما شرعت لكم من الفرائض والأحكام والحدود ومعالم الدين الذي أكملته لكم وإنما قال تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) يوم نزلت هذه الآية وإن كان الله تعالى لم يزل راضيا بدين الإسلام فيما مضى قبل نزول هذه الآية لأنه لم يزل يصرف نبيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعباده المؤمنين من حال إلى حال وينقلهم من مرتبة إلى مرتبة أعلى منها حتى أكمل لهم شرائع الدين ومعالمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه ثم أنزل عليهم هذه الآية : ورضيت لكم الإسلام دينا ، يعني بالصفة التي هو اليوم بها وهي نهاية الكمال وأنتم الآن عليه فالزموه ولا