بالخسران فهو الذي حملهم على الامتناع عن الإيمان.
قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) يعني وله ما استقر وقيل ما سكن وما تحرك فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر وقيل إنما خص السكون بالذكر لأن النعمة فيه أكثر وقال ابن جرير كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكن الليل والنهار فيكون المراد منه جميع ما حصل في الأرض من الدواب والحيوانات والطير وغير ذلك مما في البر والبحر وهذا يفيد الحصر والمعنى أن جميع الموجودات ملك لله تعالى لا لغيره (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم وأصواتهم (الْعَلِيمُ) بسرائرهم وأحوالهم.
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧))
قوله عزوجل : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) قال مقاتل لما دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى دين آبائه أنزل الله هذه الآية فقال قل لهم يا محمد أغير الله اتخذ وليا يعني ربا ومعبودا وناصرا ومعينا وهو استفهام ومعناه الإنكار أي لا أتخذ غير الله وليا (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالق السموات والأرض ومبدعهما ومبدئهما (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) يعني وهو يرزق ولا يرزق وصف الله عزوجل نفسه بالغني عن الخلق وباحتياج الخلق إليه لأن من كان من صفته أن يطعم الخلق لاحتياجهم إليه وهو لا يطعم لاستغنائه سبحانه وتعالى عن الإطعام فهو غني عن الخلق ومن كان كذلك وجب أن يتخذ ربا وناصرا ووليا ومعبودا (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) يعني من هذه الأمة والإسلام بمعنى الاستسلام يعني أمرت أن استسلم لأمر الله وأنقاد إلى طاعته (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعني وقيل لي يا محمد لا تكونن من المشركين (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى عبادة غيري إن ربي أمرني أن أكون أول من أسلم ونهاني عن عبادة شيء سواه وإني أخاف إن عصيت ربي فعبدت شيئا سواه عذاب يوم عظيم وهو عذاب يوم القيامة (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) يعني العذاب (يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة (فَقَدْ رَحِمَهُ) يعني بأن أنجاه من العذاب ومن أنجاه من العذاب فقد رحمه وأناله الثواب لا محالة وإنما ذكر الرحمة من صرف العذاب لئلا يتوهم أنه صرف العذاب فقط بل تحصل الرحمة من صرف العذاب عنه (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) يعني أن صرف العذاب وحصول الرحمة هو النجاة والفلاح المبين.
قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) يعني بشدة وبلية والضر اسم جامع لما ينال الإنسان من ألم ومكروه وغير ذلك مما هو في معناه (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) يعني فلا يدفع ذلك الضر إلا الله عزوجل : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) يعني بعافية ونعمة والخير اسم جامع لكل ما ينال الإنسان من لذة وفرح وسرور ونحو ذلك (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعني من دفع الضر وجلب الخير. وهذه الآية خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمعنى : لا تتخذ وليا سوى الله لأنه هو القادر على أن يمسك بضر وهو القادر على دفعه عنك وهو القادر على إيصال الخير إليك وأنه لا يقدر على ذلك إلا هو فاتخذه وليا وناصرا ومعينا. وهذا الخطاب وإن كان للنبي صلىاللهعليهوسلم فهو عام لكل أحد والمعنى وإن يمسسك الله بضر أيها الإنسان فلا كاشف لذلك الضر إلا هو وإن يمسسك بخير أيها الإنسان فهو على كل شيء قدير من دفع الضر وإيصال الخير.