(أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤))
وقوله سبحانه وتعالى : (أَيُشْرِكُونَ) قرئ بالتاء على خطاب الكفار ، وقرئ بالياء على الغيبة (ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً) يعني إبليس والأصنام (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي وهم مخلوقون.
فإن قلت : كيف وحد يخلق ثم جمع فقال وهم يخلقون؟
قلت : إن لفظة «ما» تقع على الواحد والإثنين والجمع فهي من صيغ الواحدان بحسب ظاهر اللفظ ومحتملة للجمع بحسب المعنى فوحد قوله ما لا يخلق رعاية الحكم ظاهر اللفظ وجمع قوله وهم يخلقون رعاية لجانب المعنى.
فإن قلت : كيف جمع بالواو وبالنون لمن لا يعقل وهو جمع من يعقل من الناس؟
قلت : لما اعتقد عابدوا الأصنام أنها تعقل وتميز ورد هذا الجمع بناء على ما يعقدونه ويتصورونه.
وقوله تعالى : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) يعني أن الأصنام لا تقدر على نصر من أطاعها وعبدها ولا تضر من عصاها والنصر ، المعونة على الأعداء. والمعنى أن المعبود الذي تجب عبادته يكون قادرا على إيصال النفع ودفع الضر وهذه الأصنام ليست كذلك فكيف يليق بالعاقل أن يعبدها ثم قال تعالى : (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) يعني ولا يقدرون على أن يدفعوا عن أنفسهم مكروها فإن من أراد كسرها قدر عليه وهي لا تقدر على دفعه عنها.
ثم خاطب المؤمنين فقال سبحانه وتعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) يعني وإن تدعوا أيها المؤمنون المشركين إلى الهدى (لا يَتَّبِعُوكُمْ) لأن الله سبحانه وتعالى حكم عليهم بالضلالة فلا يقبلون الهداية (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ) إلى الدين والهداية (أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) أي ساكتون عن دعائهم فهم في كلا الحالين لا يؤمنون. وقيل إن الله سبحانه وتعالى لما بيّن في الآية المتقدمة عجز الأصنام بيّن في هذه الآية أنه لا علم لها بشيء البتة ؛ والمعنى أن هذه الأصنام التي يعبدها المشركون معلوم من حالها أنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع لمن دعاها إلى خير وهدى ثم قوى هذا المعنى بقوله سبحانه وتعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) وذلك أن المشركين كانوا إذا وقعوا في شدة وبلاء تضرعوا لأصنامهم فإذا لم تكن لهم إلى الأصنام حاجة سكتوا وصمتوا فقيل لهم لا فرق بين دعائكم للأصنام أو سكوتكم عنها فإنها عاجزة في كل حال.
قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) يعني أن الأصنام التي يعبدها هؤلاء المشركون إنما هي مملوكة لله أمثالهم وقيل إنها مسخرة مذللة مثل ما أنتم مسخرون مذللون قال مقاتل في قوله سبحانه وتعالى : (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) أنها الملائكة والخطاب مع قوم كانوا يعبدون الملائكة والقول الأول أصح وفيه سؤال وهو أنه وصفها بأنها عباد مع أنها جماد.
والجواب أن المشركين لما ادعوا أن الأصنام تضر وتنفع وجب أن يعتقدوا كونها عاقلة فاهمة فوردت هذه الألفاظ على وفق معتقدهم تبكيتا لهم وتوبيخا ولذلك قال عزوجل : (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في كونها آلهة وجواب آخر وهو أن هذا اللفظ إنما ورد في معرض الاستهزاء بالمشركين والمعنى أن قصارى هذه الأصنام التي تعبدونها أحياء عاقلة على معتقدكم فهم عباد الله أمثالكم ولا فضل لهم عليكم فلما