رفع قال معناه فأسلم أنا من شره وفتنته ومن فتح قال معناه أن القرين أسلم من الإسلام يعني صار مؤمنا لا يأمرني إلا بخير. قال الخطابي : الصحيح المختار الرفع ورجح القاضي عياض الفتح قال الشيخ وهو المختار لقوله فلا يأمرني إلا بخير. قال القاضي عياض : واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلىاللهعليهوسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه أعلمنا أنه معنا لنحترز عنه بحسب الإمكان والله أعلم. الوجه الثالث : يحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد به غيره ومعناه وإما ينزغنك أيها الإنسان من الشيطان نزغ فاستعذ بالله فهو كقوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله.
قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) وقرئ طيف (مِنَ الشَّيْطانِ) وهما لغتان ومعناه الشيء يلم بالإنسان وقيل بينهما فرق فالطائف ما يطوف حول الإنسان والطيف الوسوسة. وقيل الطائف ما طاف به من وسوسة الشيطان والطيف اللمم والمس. قال الأزهري : الطيف في كلام العرب الجنون وقيل للغضب طيف لأن الغضبان يشبه المجنون. وقيل سمي الجنون والغضب والوسوسة طيفا لأنه لمة من الشيطان تشبه لمة الخبال فذكر في الآية الأولى النزغ وهو أخف من الطيف المذكور في هذه الآية لأن حالة الشيطان مع الأنبياء أضعف من حاله مع غيرهم (تَذَكَّرُوا) يعني عرفوا ما حصل لهم من وسوسة الشيطان وكيده قال سعيد بن جبير هو الرجل يغضب الغضب فيذكر الله فيكظم غيظه. وقال مجاهد : هو الرجل يلم بالذنب فيذكر الله فيقوم ويدعه (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) يعني أنهم يبصرون مواقع الخطأ بالتذكر والتفكر. وقال السدي : إذا زلوا تابوا وقال مقاتل : هو الرجل إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية فأبصر ونزع عن مخالفة الله عزوجل :
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤))
(وَإِخْوانُهُمْ) يعني وإخوان الشياطين من المشركين (يَمُدُّونَهُمْ) أي يمدهم الشياطين (فِي الغَيِ) قال الكلبي لكل كافر أخ من الشياطين يمدونهم أي يطيلون لهم في الإغواء حتى يستمروا عليه وقيل يزيدونهم في الضلالة (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) يعني لا يكفون عن الضلالة ولا يتركونها وهذا بخلاف حال المؤمنين المتقين لأن المؤمن إذا أصابه طيف من الشيطان تذكر وعرف ذلك فنزع عنه وتاب واستغفر والكافر مستمر في ضلالته لا يتذكر ولا يرعوي. وقال ابن عباس : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا الشياطين يمسكون عنه فعلى هذا القول يحمل قوله لا يقصرون على فعل الإنس والشياطين جميعا.
قوله عزوجل : (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) يعني وإذا لم تأت المشركين يا محمد بآية ومعجزة باهرة (قالُوا) يعني قال المشركون (لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) يعني افتعلتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك تقول العرب اجتبت الكلام إذا اختلقته وافتعلته. وقال الكلبي : كان أهل مكة يسألون النبي صلىاللهعليهوسلم الآيات تعنتا فإذا تأخرت اتهموه وقالوا لولا اجتبيتها يعني هلا أحدثتها وأنشأتها من عندك (قُلْ) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوا الآيات (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) يعني القرآن الذي أنزل عليّ وليس لي أن أقترح الآيات والمعجزات (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني هذا القرآن حجج وبرهان وأصل البصائر من الإبصار وهو ظهور الشيء حتى يبصره الإنسان ولما كان القرآن سببا لبصائر العقول في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أطلق عليه اسم البصائر فهو من باب تسمية السبب باسم المسبب (وَهُدىً) يعني وهو هدى (وَرَحْمَةٌ) يعني وهو رحمة من الله (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وهنا لطيفة وهي الفرق بين هذه المراتب الثلاث وذلك أن الناس متفاوتون في درجات العلوم فمنهم من بلغ الغاية في علم