صلىاللهعليهوسلم وكان أحد العشرة الذين ضمنوا أن يطعموا الناس الذين خرجوا من مكة إلى بدر وكان قد خرج ومعه عشرون أوقية من ذهب ليطعم بها إذ جاءت نوبته فكانت نوبته يوم الوقعة ببدر فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا فلم يطعم شيئا وبقيت العشرون أوقية معه فلما أسر أخذت منه ، فكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : أما شيء خرجت به لتستعين به علينا فلا أتركه لك. وكلف فداء ابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال العباس : يا محمد تتركني أتكفف قريشا ما بقيت. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهذا لك ولعبد الله ولعبيد الله وللفضل وقثم يعني بنيه. فقال العباس : وما يدريك يا ابن أخي قال : أخبرني به ربي قال العباس : أشهد أنك لصادق وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله لم يطلع عليه أحد إلا الله وأمر ابني أخيه عقيل ونوفل بن الحارث فأسلما فذلك قوله سبحانه وتعالى : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم (مِنَ الْأَسْرى) يعني الذين أسرتموهم وأخذتم منهم الفداء (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) يعني إيمانا وتصديقا (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) يعني من الفداء (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) يعني ما سلف منكم قبل الإيمان (وَاللهُ غَفُورٌ) يعني لمن آمن وتاب من كفره ومعاصيه (رَحِيمٌ) يعني بأهل طاعته قال العباس : فأبدلني الله خيرا مما أخذ مني عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمال كثير أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي عزوجل.
وقوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا) يعني الأسارى (خِيانَتَكَ) يعني أن يكفروا بك (فَقَدْ خانُوا اللهَ) يعني فقد كفروا بالله (مِنْ قَبْلُ) وقيل معناه وإن نقضوا العهد ورجعوا إلى الكفر فقد خانوا الله بذلك (فَأَمْكَنَ) يعني فأمكن الله المؤمنين (مِنْهُمْ) ببدر حتى قتلوا منهم وأسروا منهم وهذا نهاية الإمكان وفيه بشارة للنبي صلىاللهعليهوسلم بأنه يتمكن من كل أحد يخونه أو ينقض عهده (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعني بما في بواطنهم وضمائرهم من إيمان وتصديق أو خيانة ونقض عهد (حَكِيمٌ) يعني حكم بأنه يجازي كلا بعمله الخير بالثواب والشر بالعقاب.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤))
قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني إن الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بما جاءهم به وهاجروا يعني وهجروا ديارهم وقومهم في ذات الله عزوجل وابتغاء رضوان الله وهم المهاجرون الأولون وجاهدوا يعني وبذلوا أنفسهم في سبيل الله يعني في طاعة الله وابتغاء رضوانه (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) يعني آووا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه من أصحابه من المهاجرين وأسكنوهم منازلهم ونصروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم الأنصار (أُولئِكَ) يعني المهاجرين والأنصار (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعني في العون والنصر دون أقربائهم من الكفار وقال ابن عباس : في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون أقربائهم وذوي أرحامهم وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى كان فتح مكة وانقطعت الهجرة فتوارثوا بالأرحام حيثما كانوا فصار ذلك منسوخا بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.