بالقمر (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) قيل : الضمير في وقدّره يرجع إلى الشمس والقمر والمعنى قدر لهما منازل أو قدر لسيرهما منازل لا يجاوزانهما في السير ولا يقصران عنهما وإنما وحد الضمير في وقدره للإيجاز أو اكتفى بذكر أحدهما دون الآخر فهو كقوله سبحانه وتعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) وقيل : الضمير في وقدره يرجع إلى القمر وحده لأن سير القمر في المنازل أسرع وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين وذلك لأن الشهور المعتبرة في الشرع مبنية على رؤية الأهلة والسنة المعتبرة في الشرع هي السنة القمرية لا الشمسية ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة : وهي الشرطين ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك ، والغفر ، والزباني ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وفرغ الدلو المقدم ، وفرغ الدلو المؤخر ، وبطن الحوت ، فهذه منازل القمر وهي مقسومة على اثني عشر برجا وهي : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت ، لكل برج منزلان وثلث منزل وينزل القمر كل ليلة منزلا منهما إلى انقضاء ثمانية وعشرين ليلة ثم يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين وإن كان تسعا وعشرين اختفى ليلة واحدة (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ) يعني قدر هذه المنازل لتعلموا بها عدد السنين ووقت دخولها وانقضائها (وَالْحِسابَ) يعني : ولتعلموا حساب الشهور والأيام والساعات ونقصانها وزيادتها (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) يعني للحق وإظهار قدرته ودلائل وحدانيته ولم يخلق ذلك باطلا ولا عبثا (يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يعني يبين دلائل التوحيد بالبراهين القاطعة لقوم يستدلون بها على قدرة الله ووحدانيته (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) تقدم تفسير هذه الآية في نظائرها (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) يعني لا يخافون لقاءنا يوم القيامة فهم مكذبون بالثواب والعقاب والرجاء يكون بمعنى الخوف تقول العرب : فلان لا يرجو فلانا بمعنى : لا يخافه ، ومنه قوله سبحانه وتعالى ما لكم لا ترجون الله وقارا ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
أي لم يخفه. والرجاء يكون بمعنى الطمع ، فيكون المعنى : لا يطمعون في ثوابنا (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) يعني : اختاروها وعملوا في طلبها فهم راضون بزينة الدنيا وزخرفها (وَاطْمَأَنُّوا بِها) يعني وسكنوا إليها مطمئنين فيها وهذه الطمأنينة التي حصلت في قلوب الكفار من الميل إلى الدنيا ولذاتها أزالت عن قلوبهم الوجل والخوف فإذا سمعوا الإنذار والتخويف لم يصل ذلك إلى قلوبهم (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) قيل المراد بالآيات أدلة التوحيد.
وقال ابن عباس : عن آياتنا يعني عن محمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن ؛ غافلون : أي معرضون.
(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١))
(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يعني : من الكفر والتكذيب والأعمال الخبيثة.
قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يعني يهديهم ربهم إلى الجنان