الماء ميتا أبدا ، ومعنى قوله ببدنك يعني نلقيك وأنت جسد لا روح فيه وقيل هذا الخطاب على سبيل التهكم والاستهزاء كأنه قيل له ننجيك ولكن هذه النجاة إنما تحصل لبدنك لا لروحك.
وقيل : أراد بالبدن الدرع وكان لفرعون درع من ذهب مرصع بالجواهر ، يعرف به فلما رأوه في درعه ذلك عرفوه (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) يعني عبرة وموعظة ، وذلك أنهم ادعوا أن مثل فرعون لا يموت أبدا فأظهره الله لهم حتى يشاهدوه وهو ميت لتزول الشبهة من قلوبهم ويعتبروا به لأنه كان في غاية العظمة فصار إلى نهاية الخسة والذلة ملقى على الأرض لا يهابه أحد (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) قوله عزوجل : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) يعني أسكناهم مكان صدق وأنزلناهم منزل صدق بعد خروجهم من البحر وإغراق عدوهم فرعون.
والمعنى : أنزلناهم منزلا محمودا صالحا وإنما وصف المكان بالصدق لأن عادة العرب إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصدق تقول العرب : هذا رجل صدق وقدم صدق والسبب فيه أن الشيء إذا كان كاملا صالحا ، لا بد أن يصدق الظن فيه وفي المراد بالمكان الذي بوءوا قولان أحدهما أنه مصر فيكون المراد : إن الله أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه من ناطق وصامت وزرع وغيره.
والقول الثاني : إنه أرض الشام والقدس والأردن لأنها بلاد الخصب والخير والبركة (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني تلك المنافع والخيرات التي رزقهم الله تعالى : (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) يعني فما اختلف هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل حتى جاءهم ما كانوا به عالمين وذلك أنهم كانوا قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم مقرين به مجمعين على نبوته غير مختلفين فيه لما يجدونه مكتوبا عندهم فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم واختلفوا فيه فآمن به بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وكفر به بعضهم بغيا وحسدا.
فعلى هذا المعنى يكون المراد من العلم المعلوم والمعنى فما اختلفوا حتى جاءهم المعلوم الذي كانوا يعلمونه حقا فوضع العلم مكان العلوم وقيل المراد من العلم القرآن النازل على محمد صلىاللهعليهوسلم وإنما سماه علما لأنه سبب العلم وتسمية السبب بالمسبب مجاز مشهور وفي كون القرآن سببا لحدوث الاختلاف وجهان :
الأول : أن اليهود كانوا يخبرون بمبعث محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته ونعته ويفتخرون بذلك على المشركين ، فلما بعث كذبوه بغيا وحسدا وإيثارا لبقاء الرياسة لهم فآمن به طائفة قليلة وكفر به غالبهم.
والوجه الثاني : أن اليهود كانوا على دين واحد قبل نزول القرآن فلما نزل على محمد صلىاللهعليهوسلم آمن به طائفة وكفر به آخرون.
وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ) يعني يا محمد (يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يعني من أمرك وأمر نبوتك في الدنيا فيدخل من آمن بك الجنة ومن كفر بك وجحد نبوتك النار.
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨))