قال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وابنة شعيب في موسى حيث قالت لأبيها استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأبو بكر في عمر استخلفه بعده (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) يعني كما مننا على يوسف بأن أنقذناه من القتل وأخرجناه من الجب كذلك مكناه في الأرض يعني أرض مصر فجعلناه على خزائنها (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي مكنا له في الأرض لكي نعلمه من تأويل الأحاديث يعني عبارة الرؤيا وتفسيرها (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) قيل الكناية في أمره راجعة إلى الله تعالى ومعناه والله غالب على أمره يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا دافع لأمره ولا راد لقضائه ولا يغلبه شيء وقيل هي راجعة إلى يوسف ومعناه أن الله مستول على أمر يوسف بالتدبير والإحاطة لا يكله إلى أحد سواه حتى يبلغ منتهى ما علمه فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يعني ما هو صانع بيوسف وما يريد منه.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣))
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) يعني منتهى شبابه وشدته وقوته ، وقال مجاهد : ثلاثة وثلاثون سنة ، وقال الضحاك : عشرون سنة وقال السدي : ثلاثون سنة ، وقال الكلبي : الأشد ما بين ثمان عشرة إلى ثلاثين سنة وسئل مالك عن الأشد فقال : هو الحلم (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) يعني آتينا يوسف بعد بلوغ الأشد نبوة وفقها في الدين وقيل حكما يعني إصابة في القول وعلما بتأويل الرؤيا وقيل الفرق بين الحكيم والعالم أن العالم هو الذي يعلم الأشياء بحقائقها والحكيم هو الذي يعمل بما يوجبه العلم وقيل الحكمة حبس النفس عن هواها وصونها عما لا ينبغي والعلم هو العلم النظري (وَكَذلِكَ) يعني وكما أنعمنا على يوسف بهذه النعم كلها كذلك (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) قال ابن عباس : يعني المؤمنين وعنه أيضا المهتدين ، وقال الضحاك : يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) يعني أن امرأة العزيز طلبت من يوسف الفعل القبيح ودعته إلى نفسها ليواقعها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) أي أطبقتها وكانت سبعة لأن مثل هذا الفعل لا يكون إلا في ستر وخفية أو أنها أغلقتها لشدة خوفها (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) أي هلم وأقبل ، قال أبو عبيدة : كان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران رفعت إلى الحجاز معناها تعال ، وقال عكرمة أيضا بالحورانية : هلم ، وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية وهي كلمة حث وإقبال على الشيء وقيل هي بالعربانية وأصلها هيتالج أي تعال فعربت فقيل هيت لك فمن قال إنها بغير لغة العرب يقول إن العرب وافقت أصحاب هذه اللغة فتكلمت بها على وفق لغات غيرهم كما وافقت لغة العرب الروم في القسطاس ولغة العرب الفرس في التنور ولغة العرب الترك في الغساق ولغة العرب الحبشة في ناشئة الليل وبالجملة فإن العرب إذا تكلمت بكلمة صارت لغة لها وقرئ هئت لك بكسر الهاء مع الهمزة ومعناها تهيأت لك (قالَ) يعني يوسف (مَعاذَ اللهِ) أي أعوذ بالله وأعتصم به وألجأ إليه فيما دعوتني إليه (إِنَّهُ رَبِّي) يعني أن العزيز قطفير سيدي (أَحْسَنَ مَثْوايَ) أي أكرم منزلتي فلا أخونه وقيل إن الهاء في إنه ربي راجعة إلى الله تعالى والمعنى يقول إن الله ربي أحسن مثواي يعني أنه آواني ومن بلاء الجب نجاني (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يعني إن فعلت هذا الفعل فأنا ظالم ولا يفلح الظالمون ، وقيل : معناه أنه لا يسعد الزناة.
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤))
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) الآية ، هذه الآية الكريمة مما يجب