قال ابن عباس : لا يحملنكم. وقيل : معناه لا يكسبنكم ولا يدعوكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) يعني بغض قوم وعداوتهم (أَنْ صَدُّوكُمْ) يعني لأن صدوكم (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) والمعنى : لا يحملنكم عداوة قوم على الاعتداء ، لأن صدوكم عن المسجد الحرام ، لأن هذه السورة نزلت بعد قصة الحديبية ، فكان الصدّ قد تقدم (أَنْ تَعْتَدُوا) عليهم يعني : بالقتل وأخذ المال (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) يعني ليعن بعضكم بعضا على ما يكسب البر والتقوى قال ابن عباس : البر متابعة السنة (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) يعني ولا يعن بعضكم بعضا على الإثم وهو الكفر والعدوان هو الظلم. وقيل : الإثم المعاصي ، والعدوان البدعة (م) عن النواس بن سمعان ، قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن البر والإثم فقال : البر «حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» (وَاتَّقُوا اللهَ) أي احذروا الله أن تعتدوا ما أمركم به أو تجاوزوا إلى ما نهاكم عنه (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) يعني لمن خالف أمره ففيه وعيد وتهديد عظيم.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣))
قوله عزوجل : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) بيّن الله تعالى في أول السورة ما أحل لنا من بهيمة الأنعام بقوله أحلت لكم بهيمة الأنعام ثم إنه تعالى استثنى من ذلك بقوله : إلا ما يتلى عليكم. فذكر ذلك المستثنى بقوله حرمت عليكم الميتة فكل ما فارقته الروح مما يذبح بغير ذكاة فهو ميتة. وسبب تحريم الميتة ، أن الدم لطيف جدا ، فإذا مات الحيوان حتف أنفه احتبس ذلك الدم وبقي في العروق فيفسد ويحصل منه ضرر عظيم والدم هو المسفوح الجاري ، وكانت العرب في الجاهلية تجعل الدم في المصارين وتشويه وتأكله ، فحرم الله ذلك كله. ولحم الخنزير ، أراد به جميع أجزائه وأعضائه. وإنما خص اللحم بالذكر ، لأنه المقصود بالأكل وقد تقدم في سورة البقرة أحكام هذه الثلاثة أشياء وما استثنى الشارع من الميتة والدم وهو السمك والجراد والكبد والطحال وذكرنا الدليل على إباحة ذلك واختلاف العلماء في ذلك.
وقوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) يعني ما ذكر على ذبحه غير اسم الله وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا يذكرون أسماء أصنامهم عند الذبح فحرم الله بهذه الآية وبقوله : ولا تأكلوا مما لا يذكر اسم الله عليه (وَالْمُنْخَنِقَةُ).
قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها فحرم الله ذلك. والمنخنقة : جنس الميتة لأنها لما ماتت لم يسل دمها. والفرق بينهما ، أن الميتة تموت بلا سبب أحد ، والمنخنقة تموت بسبب الخنق. (وَالْمَوْقُوذَةُ) : يعني المقتولة بالخشب. وكانت العرب في الجاهلية يضربون الشاة بالعصا حتى تموت ويأكلونها فحرّم الله ذلك (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) يعني التي تتردى من مكان عال فتموت أو في بئر فتموت. والتردي : هو السقوط من سطح أو من جبل ونحوه وهذه المتردية تلحق بالميتة فيحرم أكلها ويدخل في هذا الحكم إذا رمى بسهمه صيدا فتردى ذلك الصيد من جبل أو من مكان عال فمات فإنه يحرم أكله لأنه لا يعلم هل مات بالتردي أو بالسهم (وَالنَّطِيحَةُ) يعني التي تنطحها شاة أخرى حتى تموت وكانت العرب في الجاهلية تأكل ذلك ، فحرمها الله تعالى لأنها في حكم الميتة. فأما الهاء في الكلمات التي تقدمت أعني المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، فإنما دخلت عليها ، لأنها صفات لموصوف مؤنث وهو الشاة. كأنه قال : حرمت عليكم الشاة المنخنقة والموقوذة