عشيرتكم وحيكم أو آخران من غيركم من غير عشيرتكم وحيكم وأن الآية كلها في المسلمين وهذا قول الحسن والزهري وعكرمة وقالوا لا تجوز شهادة كافر في شيء من الأحكام وهذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة غير أن أبا حنيفة أجاز شهادة أهل الذمة فيما بينهم بعضهم على بعض واحتج من قال بأن هذه الآية محكمة بأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا وليس فيها منسوخ واحتج من أجاز شهادة غير المسلم في هذا الموضع بأن الله تعالى قال في أول الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فعمّ بهذا الخطاب جميع المؤمنين ثم قال بعده (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) فعلم بذلك أنهما من غير المؤمنين ، ولأن الآية دالة على وجوب الحلف على هذين الشاهدين وأجمع المسلمون على أن الشاهد المسلم لا يجب عليه يمين ولأن الميت إذا كان في أرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته ضاع ماله وربما كان عليه ديون أو عنده وديعة فيضيع ذلك كله وإذا كان ذلك كذلك احتاج إلى إشهاد من حضر من أهل الذمة وغيرهم من الكفار حتى لا يضيع ماله وتنفذ وصيته فهذا كالمضطر الذي أبيح له أكل الميتة في حال الاضطرار والضرورات قد تبيح شيئا من المحظورات واحتج من منع ذلك بأن الله تعالى قال : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) والكفار ليسوا مرضيين ولا عدولا فشهادتهم غير مقبولة في حال من الأحوال.
وقوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) يعني : إن أنتم سافرتم في الأرض (فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) يعني نزل بكم أسباب الموت فأوصيتم إليهما ودفعتم مالكم إليهما (تَحْبِسُونَهُما) يعني إن اتهمهما بعض الورثة وادعوا عليهما خيانة فالحكم فيه أن يوقفوهما (مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) يعني من بعد صلاة العصر لأن جميع أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويجتنبون فيه الحلف الكاذب وقيل من بعد صلاة أهل دينهم لأنهما إذا كانا كافرين لا يحترمان صلاة العصر (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) يعني فيحلفان بالله. قال الشافعي : الأيمان تغلظ في الدماء والطلاق والعتاق والمال إذا بلغ مائتي درهم بالزمان والمكان فيحلف بعد صلاة العصر إن كان بمكة بين الركن والمقام وإن كان بالمدينة فعند المنبر وإن كان في بيت المقدس فعند الصخرة وفي سائر البلاد في أشرف المساجد وأعظمها بها (إِنِ ارْتَبْتُمْ) يعني إن شككتم أيها الورثة في قول الشاهدين وصدقهما ، فحلّفوهما وهذا إذا كانا كافرين أما إذا كانا مسلمين فلا يمين عليهما لأن تحليف الشاهد المسلم غير مشروع (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) يعني لا نبيع عهد الله بشيء من الدنيا ولا نحلف بالله كاذبين لأجل عوض نأخذه أو حق نجحده (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) يعني ولو كان المشهود له ذا قرابة منا وإنما خص القربى بالذكر لأن الميل إليهم أكثر من غيرهم (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) إنما أضاف الشهادة إليه لأنه أمر بإقامتها ونهى عن كتمانها (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) يعني إن كتمنا الشهادة أو خنّا فيها ولما نزلت هذه الآية صلى صلىاللهعليهوسلم العصر ودعا تميما وعديا وحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يخونا شيئا مما دفع إليهما فحلفا على ذلك فخلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبيلهما ثم ظهر الإناء من بعد ذلك قال ابن عباس وجد الإناء بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم وعدي. وقيل : لما طالت المدة أظهروه فبلغ ذلك بني سهم ، فأتوهما في ذلك ، فقالا : إنا كنا اشتريناه منه. فقالوا لهما : ألم تزعما أن صاحبنا لم يبع شيئا من متاعه؟ قالا : لم يكن عندنا بينة فكرهنا أن نقر لكم به فكتمناه لذلك فرفعوهما إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
(فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨))
(فَإِنْ عُثِرَ) يعني فإن اطلع وظهر والعثور الهجوم على أمر لم يهجم عليه غيره وكل من اطلع على أمر كان قد خفي عليه قيل له قد عثر عليه (عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) يعني الوصيين ومعنى الآية فإن حصل العثور