والوقوف على أن الوصيين كانا استوجبا الإثم بسبب خيانتهما وأيمانهما الكاذبة (فَآخَرانِ) يعني من أولياء الميت وأقربائه (يَقُومانِ مَقامَهُما) يعني مقام الوصيين في اليمين (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) يعني من الذين استحق عليهم الإثم وهم الورثة والمعنى إذا ظهرت خيانة الحالفين وبان كذبهما يقوم اثنان آخران من الذين جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته (الْأَوْلَيانِ) يعني بأمر الميت وهم أهله وعشيرته (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) يعني فيحلفان بالله (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) يعني أيماننا أحق وأصدق من أيمانهما (وَمَا اعْتَدَيْنا) يعني في أيماننا وقولنا إن شهادتنا أحق من شهادتهما (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ولما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان لو وهما من أهل الميت وحلفا بالله بعد العصر ودفع الإناء إليهما وإنما ردت اليمين على أولياء الميت لأن الوصيين ادعيا أن الميت باعهما الإناء وأنكر ورثة الميت ذلك ومثل هذا أن الوصي إذا أخذ شيء من مال الميت وقال : إنه أوصى له به وأنكر ذلك الورثة ردت اليمين عليه ولما أسلم تميم الداري بعد هذه القصة كان يقول صدق الله وصدق رسوله أنا أخذت الإناء فأنا أتوب إلى الله وأستغفره.
وقوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) يعني ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين على أولياء الميت بعد أيمانهم أدنى ، أي : أجدر وأحرى أن يأتوا بالشهادة على وجهها يعني أن يأتي الوصيان وسائر للناس بالشهادة على وجهها فلا يخونوا فيها (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) أي وأقرب أن يخاف الوصيان أن ترد الأيمان على أولياء الميت فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرّموا فربما لا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذه الحكم (وَاتَّقُوا اللهَ) يعني وخافوا الله أن تحلفوا أيمانا كاذبة أو تخونوا أمانة (وَاسْمَعُوا) يعني المواعظ والزواجر وقيل معناه واسمعوا سمع إجابة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) يعني : والله لا يرشد من كان على معصية وهذا تهديد وتخويف ووعيد لمن خالف حكم الله تعالى أو خان أمانته أو حلف أيمانا كاذبة وهذه الآية الكريمة من أصعب ما في القرآن من الآيات نظما وإعرابا وحكما والله أعلم بأسرار كتابه.
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠))
قوله عزوجل : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) قال الزجاج هي متصلة بما قبلها تقديرها : واتقوا الله يوم يجمع الله الرسل ، وقيل : تقدير : والله لا يهدي القوم الفاسقين يوم يجمع الله الرسل. أي لا يهديهم إلى الجنة في ذلك اليوم وهو يوم القيامة وقيل إنها منقطعة عما قبلها وتقديره اذكر يا محمد يوم يجمع الله الرسل ذلك يوم القيامة (فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) يعني فيقول الله تبارك وتعالى للرسل ماذا أجابكم أممكم وما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم في دار الدنيا إلى توحيدي وطاعتي وفائدة هذا السؤال توبيخ أمم الأنبياء الذين كذبوهم (قالُوا) يعني الرسل (لا عِلْمَ لَنا) قال ابن عباس : معناه لا علم لنا كعلمك فيهم لأنك تعلم ما أضمروا وما أظهروا ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا فعلمك فيهم أنفذ من علمنا وأبلغ.
فعلى هذا القول ، إنما نفوا العلم عن أنفسهم وإن كانوا علماء لأن علمهم صار كلا علم عند علم الله.
وقال في رواية أخرى : معناه لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا وهذا القول قريب من الأول. وقيل : معناه