رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنك إنما عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان؟ فأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحملوا الطعام إليهم حكاه الواحدي وغيره والقول الأول هو الصحيح. قال ابن عباس فكلوا يا معشر المؤمنين مما رزقكم الله يريد الغنائم (حَلالاً طَيِّباً) يعني أن الله سبحانه وتعالى أحل الغنائم لهذه الأمة وطيبها لهم ولم تحل لأحد قبلهم (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) يعني التي أنعم بها عليكم (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تقدم تفسير هذه الآية وأحكامها في سورة البقرة فلم نعده هنا ، وقوله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) يعني ولا تقولوا لأجل وصفكم الكذب (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) يعني أنكم تحلون وتحرمون لأجل الكذب لا لغيره فليس لتحليلكم وتحريمكم معنى وسبب إلا الكذب فقط ، فلا تفعلوا ذلك. قال مجاهد : يعني البحيرة والسائبة. وقال ابن عباس : يعني قولهم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ، ومحرم على أزواجنا وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا يحلون أشياء ويحرمون أشياء من عند أنفسهم ، وينسبون ذلك إلى الله تعالى وهو قوله تعالى (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) يعني لا تقولوا إن الله أمرنا بذلك فتكذبوا على الله لأن وصفهم الكذب هو افتراء على الله ثم توعد المفترين للكذب فقال سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) يعني : لا ينجون من العذاب ، وقيل : لا يفوزون بخير لأن الفلاح هو الفوز بالخير والنجاح ثم بين أن ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عنهم عن قريب فقال تعالى (مَتاعٌ قَلِيلٌ) يعني متاعهم في الدنيا متاع قليل فإنه لا بقاء له (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يعني في الآخرة.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩) إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣))
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) يعني اليهود (حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) يعني ما سبق ذكره وبيانه في سورة الأنعام وهو قوله تعالى «وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر» الآية (وَما ظَلَمْناهُمْ) يعني بتحريم ذلك عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يعني إنما حرمنا عليهم ما حرمنا بسبب بغيهم وظلمهم أنفسهم ونظيره قوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. وقوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) المقصود من هذه الآية بيان فضل الله وكرمه وسعة مغفرته ورحمته ، لأن السوء لفظ جامع لكل فعل قبيح فيدخل تحته الكفر وسائر المعاصي وكل ما لا ينبغي وكل من عمل السوء فإنما يفعله بالجهالة ، لأن العاقل لا يرضى بفعل القبيح فمن صدر عنه فعل قبيح من كفر أو معصية ، فإنما يصدر عنه بسبب جهله إما لجهله بقدر ما يترتب عليه من العقاب أو لجهله بقدر من يعصيه ، فثبت بهذا أن فعل السوء إنما يفعل بجهالة ثم إن الله تعالى وعد من عمل سوءا بجهالة ثم تاب ، وأصلح العمل في المستقبل أن يتوب عليه ويرحمه وهو قوله تعالى ثم تابوا من بعد ذلك ، يعني من بعد عمل ذلك السوء (وَأَصْلَحُوا) يعني أصلحوا العمل في المستقبل ، وقيل معنى الإصلاح الاستقامة على التوبة (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) يعني من بعد عمل السوء بالجهالة والتوبة منه (لَغَفُورٌ) يعني لمن تاب وآمن (رَحِيمٌ) يعني بجميع المؤمنين والتائبين. قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) حكى ابن الجوزي عن ابن الأنباري أنه قال : هذا مثل قول العرب : فلان رحمة وفلان علامة ونسابة يقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه به. والعرب توقع الأسماء المبهمة على الجماعة وعلى الواحد كقوله تبارك