وتعالى «فنادته الملائكة» وإنما ناداه جبريل وحده ، وإنما سمي إبراهيم صلىاللهعليهوسلم أمة لأنه اجتمع فيه من صفات الكمال وصفات الخير والأخلاق الحميدة ما اجتمع في أمة. ومنه قول الشاعر :
ليس على الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
ثم للمفسرين في معنى هذه اللفظة أقوال أحدها : قول ابن مسعود : الأمة معلم الخير يعني أنه كان معلما للخير يأتمّ به أهل الدنيا. الثاني قال مجاهد : إنه كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار فلهذا المعنى كان أمة واحدة ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم في زيد بن عمرو بن نفيل «يبعثه الله أمة وحده» وإنما قال فيه هذه المقالة لأنه كان قد فارق الجاهلية وما كانوا عليه من عبادة الأصنام. الثالث قال قتادة : ليس من أهل دين إلا وهم يتلونه ويرضونه ، وقيل : الأمة فعلة بمعنى مفعولة ، وهو الذي يؤتم به وكان إبراهيم عليهالسلام إماما يقتدى به دليله قوله سبحانه وتعالى (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وقيل إنه عليهالسلام هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ومن تبعه ممتازين عمن سواهم بالتوحيد لله والدين الحق وهو من باب إطلاق المسبب على السبب ، وقيل : إنما سمي إبراهيم عليهالسلام أمة لأنه قام مقام أمة في عبادة الله (قانِتاً لِلَّهِ) يعني مطيعا لله وقيل هو القائم بأوامر الله (حَنِيفاً) مسلما يعني مقيما على دين الإسلام لا يميل عنه ولا يزول. وهو أول من اختتن وضحّى ، وأقام مناسك الحج (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعني أنه عليهالسلام كان من الموحدين المخلصين من صغره إلى كبره (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) يعني أنه كان شاكرا لله على أنعمه التي أنعم بها عليه (اجْتَباهُ) أي اختاره لنبوته واصطفاه لخلته (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني هداه إلى دين الإسلام لأنه الصراط المستقيم والدين القويم (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) يعني الرسالة والخلة. وقيل : هي لسان الصدق والثناء الحسن والقبول العام في جميع الأمم فإن الله حببه إلى جميع خلقه فكل أهل الأديان يتلونه المسلمون واليهود والنصارى ، ومشركو العرب وغيرهم ، وقيل : هو قول المصلي في التشهد : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وقيل إنه آتاه أولادا أبرارا على الكبر (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) يعني في أعلى مقامات الصالحين في الجنة. وقيل : معناه وإنه في الآخرة لمن الصالحين يعني الأنبياء في الجنة فتكون من بمعنى مع ولما وصف الله عزوجل إبراهيم عليهالسلام بهذه الصفات الشريفة العالية ، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم باتباعه فقال تعالى (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) يعني دينه وما كان عليه من الشريعة والتوحيد. قال أهل الأصول : كان النبي صلىاللهعليهوسلم مأمورا بشريعة إبراهيم إلا ما نسخ منها وما لم ينسخ صار شرعا له ، وقال أبو جعفر الطبري أمره باتباعه في التبري من الأوثان والتدين بدين الإسلام وهو قوله (حَنِيفاً) مسلما (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تقدم تفسيره وقوله تعالى : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤) ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))
(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) يعني إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا فيه وهم اليهود. روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أمرهم موسى بتعظيم يوم الجمعة فقال : تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما فاعبدوه في يوم الجمعة ولا تعملوا فيه شيئا من صنعتكم وستة أيام لصنعتكم ، فأبوا عليه وقالوا