دوي حول العرش كدوي النحل ، فيقول الرب : ما لك؟ فيقول : يا رب أتلى ولا يعمل بي» (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) أي بسبب بقاء العلم والقرآن عليك وجعلك سيد ولد آدم ، وختم النبيين بك وإعطائك المقام المحمود.
قوله سبحانه وتعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) أي لا يقدرون على ذلك (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) أي عونا. نزلت حين قال المشركون : لو نشاء لقلنا مثل هذا فكذبهم الله عزوجل ، فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب ، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق لأنه كلام الخالق وهو غير مخلوق ولو كان مخلوقا لأتوا بمثله قوله عزوجل :
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣))
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي رددنا وكررنا من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه. وقيل : معناه من كل وجه من العبر والأحكام والوعد والوعيد والقصص وغيرها (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي جحودا. قوله سبحانه وتعالى (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) أي لن نصدقك (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) لما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه معجزات أخر وبينات ، ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتغالون باقتراح الآيات ، فقالوا : لن نؤمن لك. روى عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البختري بن هشام والأسود بن عبد المطلب ، وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ، ونبيها ومنبها ابني الحجاج اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إليّ محمدا فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سريعا وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء ، وكان حريصا يحب رشدهم حتى جلس إليهم فقالوا : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرقت الجماعة ، وما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد الشرف سودناك علينا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي بك رئي تراه قد غلب عليك لا تستطيع رده بذلنا لك أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه ونعذر فيك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ، ولا للشرف عليكم ولا للملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل عليّ كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم فقالوا : يا محمد إن كنت غير قابل منّا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد أضيق بلادا ولا أشد عيشا منا ، فسل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ويفجر لنا فيها الأنهار كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك صدقناك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به ، فإن تقبلوه فهو حظكم وإن تردوه أصبر لأمر الله تعالى. قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل لنا ربك أن يبعث ملكا يصدقك ، وسله أن يجعل لك