أن الذين حكم لهم بالإيمان والهداية وجب أن يصيروا مؤمنين ومن سبق لهم حكم الله بالضلال والجهل استحال أن ينقلبوا عن ذلك (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (ق) «عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله قال الله الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أيحشر الكافر على وجهه قال رسول الله : صلىاللهعليهوسلم أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا ، قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة حين بلغه بلى وعزة ربنا» وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفا مشاة ، وصنفا ركبانا ، وصنفا على وجوههم. قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم قال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك» أخرجه الترمذي الحدب كل ما ارتفع من الأرض (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) أي لا يبصرون ولا ينطقون ولا يسمعون. فإن قلت : كيف وصفهم بأنهم عمي وبكم وصم وقد قال الله تعالى (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) وقال (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) وقال (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) فأثبت لهم الرؤية والكلام والسمع. قلت فيه أوجه : أحدها قال ابن عباس معناه عميا لا يبصرون ما يسرهم بكما لا ينطقون بحجة صما لا يسمعون ما يسرهم. الوجه الثاني : قيل : معناه يحشرون على ما وصفهم الله وتعالى : ثم تعاد إليهم هذه الأشياء. الوجه الثالث : قيل معناه هذا حين يقال لهم اخسئوا فيها ، ولا تكلمون فيصيرون بأجمعهم عميا وبكما وصما لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) أي سكن لهيبها. وقيل : ضعفت وهدأت من غير أن يوجد نقصان في إيلام الكفار ، لأن الله سبحانه وتعالى قال : لا يفتر عنهم وقيل معناه أرادت أن تخبو (زِدْناهُمْ سَعِيراً) أي وقودا وقيل معناه خبت أي نضجت جلودهم واحترقت أعيدوا إلى ما كانوا عليه ، وزيد في سعير النار لتحرقهم.
(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١))
(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا) لما ذكر الوعيد المتقدم قال : ذلك جزاؤهم بما كفروا يعني ذلك العذاب جزاؤهم بسبب كفرهم بآياتنا (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) أجابهم الله ورد عليهم بقوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي في عظمها وشدتها (قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي في صغرهم وضعفهم (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً) أي وقتا لعذابهم (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك فيه أنه يأتيهم قبل الموت ، وقيل يوم القيامة (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي جحودا وعنادا (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) أي خزائن نعمه ورزقه وقيل : إن خزائن الله غير متناهية. والمعنى : لو أنكم ملكتم من النعم خزائن لا نهاية لها (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) أي لبخلتم وحبستم (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) والفقر والنفاد وهذا مبالغة عظيمة في وصفهم بهذا الشيء (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أي ممسكا بخيلا. فان قلت : قد يوجد في جنس الإنسان من هو جواد كريم ، فكيف وصفه بالبخل؟ قلت : الأصل في الإنسان البخل ، لأنه خلق محتاجا والمحتاج لا بد وأن يحب ما يدفع به عنه ضرر الحاجة ، ويمسكه لنفسه إلا أنه قد يجود لأسباب خارجة مثل أن يحب المدحة أو رجاء ثواب ، فثبت بها أن الأصل في الإنسان البخل. قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) أي دلالات واضحات. قال ابن عباس : هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه ، فحلها وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وقيل عوض فلق البحر ، واليد والسنون ونقص من الثمرات وقيل : الطمس والبحر بدل السنين