أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥))
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) أي أطلعنا الناس عليهم (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) يعني قوم بيدروس الذين أنكروا البعث (وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) أي لا شك فيها أنها آتية (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ). قال ابن عباس : في البنيان فقال المسلمون نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا وقال المشركون نبني بنيانا لأنهم على ملتنا وقيل كان تنازعهم في البعث فقال المسلمون تبعث الأجساد والأرواح وقال قوم تبعث الأرواح فأراهم الله آية وأن البعث للأرواح والأجساد وقيل تنازعوا في مدة لبثهم وقيل في عددهم (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) يعني بيدروس وأصحابه (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) قوله تعالى (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ) روي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى نجران كانوا عند النبي صلىاللهعليهوسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف عندهم فقال السيد وكان يعقوبيا كانوا ثلاثة رابعهم (كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ) أي وقال العاقب وكان نسطوريا (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ) وقال المسلمون (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فحقق الله قول المسلمين وإنما عرفوا ذلك بأخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم على لسان جبريل صلىاللهعليهوسلم بعد ما حكى قول النصارى أولا ، ثم أتبعه بقوله سبحانه وتعالى رجما بالغيب أي ظنا وحدسا من غير يقين ولم يقل ذلك في السبعة وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أن الحال في الباقي بخلافه ، فوجب أن يكون المخصوص بالظن هو قول النصارى وأن يكون قول المسلمين مخالفا لقول النصارى في كونه رجما بالغيب وظنا ، ثم أتبعه بقوله سبحانه وتعالى (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) هذا هو الحق لأن العلم بتفاصيل العوالم والكائنات فيه في الماضي والمستقبل لا يكون إلا لله تعالى أو من أخبره الله سبحانه وتعالى بذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة وهم مكسلمينا (١) وتمليخا ومرطونس وبينونس وسارينوس ودنوانس وكشفيططنونس وهو الراعي واسم كلبهم قطمير (فَلا تُمارِ فِيهِمْ).
أي لا تجادل ولا تقل في عددهم وشأنهم (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) أي إلا بظاهر ما قصصنا عليك فقف عنده ولا تزد عليه (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) أي في أصحاب الكهف (مِنْهُمْ) أي من أهل الكتاب (أَحَداً) أي لا ترجع إلى قول أحد منهم بعد أن أخبرناك قصتهم. قوله سبحانه وتعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) يعني إذا عزمت على فعل شيء غدا فقل إن شاء الله ولا تقله بغير استثناء ، وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فقال أخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي أياما ثم نزلت هذه الآية وقد تقدمت القصة في سورة بني إسرائيل (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قال ابن عباس : معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن وجوز ابن عباس الاستثناء المنقطع ، وإن كان بعد سنة وجوزه الحسن ما دام في المجلس وجوزه بعضهم إذا قرب الزمان ، فإن بعد لم يصح ولم يجوزه جماعة حتى يكون الكلام متصلا بالاستثناء وقيل في معنى الآية واذكر ربك إذا غضبت قال وهب مكتوب في التوراة والإنجيل ابن آدم «اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب» ، وقيل الآية في الصلاة يدل عليه ما روي عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من نسي صلاة فليصلها إذ ذكرها» قال تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) متفق عليه زاد مسلم أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) أي يثبتني على طريق هو أقرب إليه وأرشد ، وقيل إن الله سبحانه وتعالى أمره أن يذكره إذا نسي شيئا ويسأله أن يذكره أو يهديه لما هو خير له من أن يذكر ما نسي وقيل إن القوم لما سألوه عن قصة أصحاب الكهف على وجه العناد أمره الله سبحانه
__________________
(١). قوله مكسلمينا وقع اختلاف كبير في أسمائهم وذكر في القاموس في ذلك ثلاثة أقوال فليراجع.