أي طيبي نفسا ، وقيل قري عينا بولدك عيسى ، يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينيك عن النظر إلى غيره (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) معناه يسألك عن ولدك (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتا ، قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسي ، وقيل إن الله أمرها أن تقول هذا إشارة وقيل أمرها أن تقول هذا القول نطقا ثم تمسك عن الكلام بعده وإنما منعت من الكلام لأمرين أحدهما : أن يكون عيسى عليهالسلام هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها وفيه دلالة على أن تفويض الكلام إلى الأفضل أولى. الثاني : كراهة مجادلة السفهاء وفيه أن السكوت عن السفيه واجب (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) يقال إنها كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس.
قوله تعالى (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) قيل إنها لما ولدت عيسى عليهالسلام حملته في الحال إلى قومها وقيل إن يوسف النجار احتمل مريم وابنها عيسى إلى غار فمكث فيه أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها ، ثم حملته إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) أي عظيما منكرا وقيل معناه جئت بأمر عجيب بديع (يا أُخْتَ هارُونَ) أي شبيهة هارون قيل كان رجلا صالحا في بني إسرائيل شبهت به في عفتها وصلاحها وليس المراد الأخوة في النسب ، قيل إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا من بني إسرائيل كلهم يسمى هارون سوى سائر الناس (م) عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت خراسان سألوني فقالوا إنكم تقرؤون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم سألته عن ذلك فقال : «إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم».
وقيل كان هارون أخا مريم لأبيها ، وقيل كان من أمثل رجل في بني إسرائيل وقيل إنما عنوا هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم ، وقيل كان هارون في بني إسرائيل فاسقا أعظم الفسق فشبهوها به (ما كانَ أَبُوكِ) يعني عمران (امْرَأَ سَوْءٍ) قال ابن عباس : زانيا (وَما كانَتْ أُمُّكِ) يعني حنة (بَغِيًّا) أي زانية فمن أين لك هذا الولد.
(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧))
(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) أي أشارت مريم إلى عيسى أن كلمهم ، قال ابن مسعود : لما لم يكن لها حجة أشارت إليه ليكون كلامه حجة لها ، وقيل لما أشارت إليه غضب القوم وقالوا مع ما فعلت أتسخرين بنا (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) قيل أراد بالمهد الحجر وهو حجرها ، وقيل هو المهد بعينه قيل لما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم ، وقيل لما أشارت إليه ترك الرضاع واتكأ على يساره وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) قال وهب : أتاها زكرياء عند مناظرتها اليهود ، فقال لعيسى : انطق بحجتك إن كنت أمرت بها ، فقال عند ذلك عيسى وهو ابن أربعين يوما ، وقيل : بل يوم ولد إني عبد الله أقر على نفسه بالعبودية لله تعالى أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها. فإن قلت إن الذي اشتدت إليه الحاجة في ذلك الوقت نفي التهمة عن أمه وأن عيسى لم