ينص على ذلك ، وإنما نص على إثبات عبوديته لله تعالى.
قلت كأنه جعل إزالة التهمة عن الله تعالى أولى من إزالة التهمة عن أمه ، فلهذا أول ما تكلم باعترافه على نفسه بالعبودية لتحصل إزالة التهمة عن الأم ، لأن الله تعالى لم يختص بهذه المرتبة العظيمة من ولد في زنا ، والتكلم بإزالة التهمة عن أمه لا يفيد إزالة التهمة عن الله سبحانه وتعالى فكان الاشتغال بذلك أو (آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) قيل معناه سيجعلني نبيا ويؤتيني الكتاب وهو الإنجيل وهذا إخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ كما قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم متى كنت نبيا قال : «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» وقال الأكثرون إنه أوتي الإنجيل ، وهو صغير وكان يعقل عقل الرجال الكمل وعن الحسن أنه ألهم التوراة وهو في بطن أمه (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) معناه أني نفاع أينما توجهت ، وقيل معلما للخير أدعوا إلى الله وإلى توحيده وعبادته وقيل مباركا على من يتبعني (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) أي أمرني بهما وكلفني فعلهما. فإن قلت كيف يؤمر بالصلاة والزكاة ، في حال طفوليته وقد قال صلىاللهعليهوسلم «رفع القلم عن ثلاث الصبي حتى يبلغ» الحديث ... قلت إن قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة لا يدل على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال بل المراد أوصاه بأدائهما في الوقت المعين لهما وهو البلوغ ، وقيل إن الله تعالى صيره حين انفصل عن أمه بالغا عاقلا وهذا القول أظهر في سياق قوله (ما دُمْتُ حَيًّا) فإنه يفيد أن هذا التكليف متوجه إليه في زمان جميع حياته حين كان في الأرض ، وحين رفع إلى السماء وحين ينزل الأرض بعد رفعه (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) أي جعلني برا بوالدتي (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) أي عاصيا لربي متكبرا على الحق بل ، وأنا خاضع متواضع وروي أنه قال : قلبي لين وأنا صغير في نفسي ، قال بعض العلماء لا تجد العاق إلا جبارا شقيا وتلا هذه الآية ، وقيل الشقي الذي يذنب ولا يتوب.
(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) أي السلامة عند الولادة من طعن الشيطان (وَيَوْمَ أَمُوتُ) أي عند الموت من الشرك (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) أي من أهوال يوم القيامة فلما كلمهم عيسى بذلك علموا براءة مريم ثم سكت عيسى فلم يتكلم حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الأطفال (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أي ذلك الذي قال إني عبد الله هو عيسى بن مريم (قَوْلَ الْحَقِ) أي هذا الكلام هو القول الحق أضاف القول إلى الحق ، وقيل هو نعت لعيسى يعني بذلك عيسى بن مريم كلمة الله الحق والحق هو الله (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي يشكون ويختلفون فقائل يقول هو ابن الله وقائل يقول ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ثم نزه نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه فقال تعالى (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) أي ما كان من صفاته اتخاذ الولد ولا ينبغي له ذلك (سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً) أي إذا أراد أن يحدث أمرا (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي لا يتعذر عليه اتخاذه على الوجه الذي أراده (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) هذا إخبار عن عيسى أنه قال ذلك يعني لأن الله ربي وربكم لا رب للمخلوقات سواه (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي هذا الذي أخبرتكم به أن الله أمرني به هو الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) يعني النصارى سموا أحزابا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى النسطورية والملكانية واليعقوبية (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني يوم القيامة حين.
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤)