(إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أي آنسنا وحشته من فراقهم بأولاد أكرم على الله من أبيه (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) أي أنعمنا عليهما بالنبوة (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) أي مع ما وهبنا لهم من النبوة وهبنا لهم المال والولد وذلك أنه بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق وكثرة الأولاد (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) يعني ثناء حسنا رفيعا في أهل كل دين حتى دعا لهم أهل الأديان كلهم فهم يتولونهم ويثنون عليهم.
قوله عزوجل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) قرئ بكسر اللام أي أخلص العبادة ، والطاعة لله تعالى ولم يراء وقرئ بالفتح أي مختارا اختاره الله تعالى ثم استخلصه واصطفاه (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) فهذان وصفان مختلفان فكل رسول نبي ولا عكس (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) أي من ناحية يمين موسى ، والطور جبل معروف بين مصر ومدين ويقال إن اسمه الزبير ، وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار فنودي يا موسى إني أنا رب العالمين (وَقَرَّبْناهُ) قال ابن عباس : قربه وكلمه ومعنى التقريب إسماعه كلامه وقيل رفعه على الحجب حتى سمع صرير الأقلام ، وقيل معناه رفع قدره ومنزلته أي وشرفناه بالمناجاة وهو قوله تعالى (نَجِيًّا) أي مناجيا (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) وذلك أن موسى دعا ربه فقال واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي فأجاب الله دعوته ، وأرسل إلى هارون ولذلك سماه هبة له وكان هارون أكبر من موسى.
قوله عزوجل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ) هو إسماعيل بن إبراهيم وهو جد النبي صلىاللهعليهوسلم (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) قيل إنه لم يعد شيئا إلا وفي به وقيل إنه وعد رجلا أن يقوم مكانه حتى يرجع الرجل فوقف إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد ، حتى رجع إليه الرجل وقيل إنه وعد نفسه الصبر على الذبح فوفى به ، فوصفه الله بهذا الخلق الحسن الشريف ، سئل الشعبي عن الرجل يعد ميعادا إلى أي وقت ينتظر فقال إن وعده نهارا فكل النهار وإن وعده ليلا فكل الليل ، وسئل بعضهم عن مثل ذلك فقال إن وعده في وقت صلاة ينتظر إلى وقت صلاة أخرى (وَكانَ رَسُولاً) إلى جرهم ، وهم قبيلة من عرب اليمن نزلوا على هاجر أم إسماعيل بوادي مكة حين خلفهم إبراهيم ، وجرهم هو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ وقحطان أبو قبائل اليمن (نَبِيًّا) أي مخبرا عن الله تعالى (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ) أي قومه وجميع أمته (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) قال ابن عباس : يريد الصلاة المفروضة عليهم وهي الحنيفية التي افترضت علينا ، وقيل كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاة والعبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) أي قائما لله بطاعته وقيل رضيه لنبوته ورسالته وهذا نهاية في المدح لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعة بأعلى الدرجات. قوله عزوجل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ) هو جد أبي نوح واسمه أخنوخ ، سمي إدريس لكثرة دراسة الكتب وكان خياطا وهو أول من خط بالقلم ، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وكانوا من قبل يلبسون الجلود وهو أول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار ، وأول من نظر في علم الحساب.
(إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) وذلك أن الله تعالى شرفه بالنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) قيل هي الرفعة بعلو المرتبة في الدنيا ، وقيل إنه رفع إلى السماء. وهو الأصح يدل عليه ما روى أنس بن مالك بن صعصعة «عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج» متفق عليه وكان سبب رفع إدريس إلى السماء الرابعة على ما قاله كعب الأحبار وغيره : أنه سار يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال : يا رب إني مشيت يوما فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها ، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال يا رب خلقتني لحر الشمس فما الذي قضيت فيه؟ قال إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها ، فأجبته قال يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أتى إدريس ، فكان إدريس يسأله فكان ما سأله أن قال إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي لعلي ازداد شكرا وعبادة فقال الملك (لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها)