فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١))
(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا) أي نعطي وننزل وقيل يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا (مَنْ كانَ تَقِيًّا) أي المتقين من عباده عزوجل (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) (خ) عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر ما تزورنا فنزلت وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا» الآية قال فكان هذا جواب جبريل لمحمد صلىاللهعليهوسلم «وقيل احتبس جبريل عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم حين سأله اليهود عن أمر الروح وأصحاب الكهف ، ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك ، فقال له جبريل وإني كنت أشوق إليك ، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا أحبست احتبست» فأنزل الله تعالى وما نتنزل إلا بأمر ربك وأنزل الله تعالى (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) وقوله (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) أي له علم ما بين أيدينا وما خلفنا ، وقيل أكد ذلك بقوله ما بين أيدينا وما خلفنا أي هو المدبر لنا في كل الأوقات الماضي والمستقبل ، وقيل معناه له ما بين أيدينا من أمر الآخرة والثواب والعقاب وما خلفنا أي ما مضى من الدنيا (وَما بَيْنَ ذلِكَ) أي من هذا الوقت إلى أن تقوم الساعة ، وقيل ما بين ذلك أي ما بين النفختين وهو مقدار أربعين سنة ، وقيل ما بين أيدينا ما بقي من الدنيا وما خلفنا ما بقي منها وما بين ذلك أي مدة حياتنا (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي ناسيا أي ما نسيك ربك وما تركك (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي من يكون كذلك لا يجوز عليه النسيان لأنه لا بد أن يدبر أحوالها كلها ، وفيه دليل على أن فعل العبد خلق لله لأنه حاصل بين السموات والأرض فكان لله تعالى (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أي اصبر على أمره ونهيه (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) قال ابن عباس : مثلا وقيل هل تعلم أحدا يسمى الله غير الله.
قوله تعالى (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) أي جنس الإنسان والمراد به الكفار الذين أنكروا البعث ، وقيل هو أبي بن خلف الجمحي وكان منكرا للبعث (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) قاله استهزاء وتكذيبا للبعث قال الله تعالى (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) أي يتذكر ويتفكر يعني منكر البعث (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) والمعنى أولا يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة. قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا عليه ، إذ لا شك أن الإعادة ثانيا أهون من الإيجاد أولا ثم أقسم بنفسه فقال تعالى (فَوَ رَبِّكَ) وفيه تشريف للنبيّ صلىاللهعليهوسلم (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) أي لنجمعنهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث (وَالشَّياطِينَ) أي مع الشياطين ، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) قال ابن عباس : جماعات وقيل جاثين على الركب لضيق المكان ، وقيل إن البارك على ركبتيه صورته كصورة الذليل. فإن قلت هذا المعنى حاصل للكل بدليل قوله تعالى (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً).
قلت وصفوا بالجثو على العادة المعهودة في مواقف المقالات والمناقلات ، وذلك لما فيه من القلق مما يدهمهم من شدة الأمور التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم فيجثون على ركبهم جثوا (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَ) أي لنخرجن (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) أي من كل أمة وأهل دين من الكفار (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) قال ابن عباس : يعني جرأة وقيل فجورا وتمردا ، وقيل قائدهم رئيسهم في الشرك ، والمعنى أنه يقدم في إدخال النار الأعتى ممن هو أكبر جرما وأشد كفرا. وفي بعض الأخبار أنهم يحضرون جميعا حول جهنم مسلسلين مغلولين ، ثم يقدم الأكفر فالأكفر فمن كان أشد منهم تمردا في كفره خص بعذاب أعظم وأشد لأن عذاب الضال المضل واجب أن يكون فوق عذاب الضال التابع لغيره في الضلال. وفائدة هذا التمييز التخصيص بشدة العذاب لا التخصيص بأصل