بغافل عنكما فلا تهتما (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) أي أرسلنا إليك ربك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي خل عنهم وأطلقهم من أعمالك (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) أي لا تتعبهم في العمل ، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء وقطع الصخور مع قتل الولدان وغير ذلك (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) قال فرعون وما هي فأخرج موسى يده لها شعاع كشعاع الشمس ، وقيل معناه قد جئناك بمعجزة وبرهان يدل على صدقنا على ما ادعيناه من الرسالة (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) ليس المراد منه سلام التحية بل إنما معناه سلم من العذاب من أسلم (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أي إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه.
(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١))
(قالَ) يعني فرعون (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) أي فمن إلهكما الذي أرسلكما (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) أي كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، وقيل أعطى كل شيء صلاحه وهداه ، وقيل أعطى كل شيء صورته فخلق اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح ، وقيل يعني جعل زوجة الرجل المرأة والبعير الناقة والفرس الرمكة وهي الحجرة والحمار الأتان ثم هدى ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى (قالَ) يعني فرعون (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) أي فما حال القرون الماضية والأمم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود فإنها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث ، وإنما قال فرعون ذلك لموسى حين خوفهم مصارع الأمم الخالية فحينئذ قال فرعون فما بال القرون الأولى (قالَ) يعني موسى (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها ، وقيل إنما رد موسى علم ذلك إلى الله تعالى لأنه لم يعلم ذلك لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وقومه (فِي كِتابٍ) يعني اللوح المحفوظ (لا يَضِلُّ رَبِّي) أي لا يخطئ وقيل لا يغيب عنه شيء (وَلا يَنْسى) أي فيتذكر وقيل لا ينسى ما كان من أعمالهم حتى يجازيهم بها (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) أي فراشا وقيل مهدها لكم (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) أي أدخل في الأرض لأجلكم طرقا وسهلها لكم لتسلكوها (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعني المطر ثم الأخبار عن موسى ثم قال الله تعالى (فَأَخْرَجْنا بِهِ) أي بذلك الماء (أَزْواجاً) أي أصنافا (مِنْ نَباتٍ شَتَّى) أي مختلف الألوان والطعوم والمنافع فمنها ما هو للناس ومنها ما هو للدواب (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) أي أخرجنا أصناف النبات للانتفاع بالأكل والرعي (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي الذي ذكر (لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي لذوي العقول ، قيل هم الذين ينتهون عما حرم الله عليهم (مِنْها خَلَقْناكُمْ) أي من الأرض خلقنا آدم ، وقيل إن الملك ينطلق فيأخذ من التراب الذي يدفن فيه فيذره في النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) أي عند الموت والدفن (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) أي يوم القيامة للبعث والحساب.
قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) يعني فرعون (آياتِنا كُلَّها) يعني الآيات التسع التي أعطاها الله موسى (فَكَذَّبَ