(قالَ) يعني موسى (بَلْ أَلْقُوا) يعني أنتم أولا (فَإِذا حِبالُهُمْ) فيه إضمار أي فألقوا فإذا حبالهم (وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) قيل إنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس ، فرأى موسى كأن الأرض امتلأت حيات وكانت قد أخذت ميلا في ميل من كل جانب ورآها كأنها تسعى (فَأَوْجَسَ) أي أضمر وقيل وجد (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) قيل هو طبع البشرية وذلك أنه ظن أنها تقصده ، وقيل خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه (قُلْنا لا تَخَفْ) أي قال الله تعالى لموسى لا تخف (إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) أي الغالب عليهم ولك الغلبة عليهم والظفر (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) أي عصاك والمعنى لا يخيفنك كثرة حبالهم وعصيهم فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها (تَلْقَفْ) أي تلقم وتبتلع (ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) أي حيلة ساحر (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) أي من الأرض.
وقال ابن عباس لا يسعد حيث كان (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) قال صاحب الكشاف سبحان الله ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفرق بين الإلقائين. وقيل إنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وقيل إنهم لما سجدوا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة (قالَ) يعني فرعون (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) أي لرئيسكم وعظيمكم يعني أنه أسحركم وأعلاكم في صناعة السحر ومعلمكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) يعني أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يعني على جذوع النخل (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) يعني على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به (وَأَبْقى) يعني أدوم (قالُوا) يعني السحرة (لَنْ نُؤْثِرَكَ) يعني لن نختارك (عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) يعني الدلالات الواضحات ، قيل هي اليد البيضاء والعصا وقيل كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحر فأين حبالنا وعصينا. وقيل إنهم لما سجدوا رأوا الجنة والنار ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات (وَالَّذِي فَطَرَنا) قيل هو قسم ، وقيل معناه لن نؤثرك على الله الذي فطرنا (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) يعني فاصنع ما أنت صانع (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) يعني إنما أمرك وسلطانك في الدنيا سيزول عن قريب (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) فإن قلت كيف قالوا هذا وقد جاءوا مختارين غير مكرهين. قلت كان فرعون أكرههم في الابتداء على تعلمهم السحر لكي لا يذهب أصله. وقيل كانت السحرة اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل ، وكان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر. وقيل قال السحرة لفرعون أرنا موسى إذا هو نام فأراهم موسى نائما وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون هذا ليس بساحر إن الساحر إذا نام بطل سحره. فأبى عليهم فأكرههم على أن يعملوا فذلك قولهم وما أكرهتنا عليه من السحر (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) يعني خير منك ثوابا وأبقى عقابا وقيل خير منك إن أطيع وأبقى عذابا إن عصي وهذا جواب لقوله (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) قيل هذا ابتداء كلام من الله تعالى وقيل هو من تمام قول السحرة معناه من مات على الشرك (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح (وَلا يَحْيى) حياة ينتفع بها (مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) يعني من مات على الإيمان (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) يعني الرفيعة العلية ثم فسر الدرجات بقوله
(جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ