أولها الله عزوجل الجواب الرابع : في تحقيق تفسير الآية وقد تقدم أنّ التمني يكون بمعنى حديث النفس وبمعنى التلاوة فعلى الأول : يكون معنى قوله (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي خطر بباله وتمنى بقلبه بعض الأمور ولا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة وعلى الثاني : وهو تفسير التمني بالتلاوة فيكون معنى قوله «إلا إذا تمنى» أي تلا وهو ما يقع للنبيّ صلىاللهعليهوسلم من السهو في إسقاط آية أو آيات أو كلمة أو نحو ذلك ولكنه لا يقر على هذا السهو بل ينبه عليه ويذكر به للوقت والحين كما صح في الحديث «لقد أذكرني كذا كذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا» وحاصل هذا أن الغرض من هذه الآية أن الأنبياء والرسل وإن عصمهم الله عن الخطأ في العلم فلم يعصمهم من جواز السهو عليهم بل حالهم في ذلك كحال سائر البشر والله تعالى أعلم. قوله عزوجل (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي يبطله ويذهبه (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) أي يثبتها (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) قوله عزوجل (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) أي محنة وبلية والله تعالى يمتحن عباده بما يشاء (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك ونفاق (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) أي الجافية قلوبهم عن قبول الحق وهم المشركون (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي في خلاف شديد.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨))
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي التوحيد والقرآن والتصديق ينسخ الله ما يشاء (أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي الذي أحكم الله من آيات القرآن هو الحق من ربك (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) أي يعتقدوا أنه من الله عزوجل (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) أي تسكن إليه (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي إلى طريق قويم وهو الإسلام. قوله عزوجل (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي في شك من القرآن وقيل من الدين الذي هو صراط مستقيم (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي فجأة وقيل أراد بالساعة الموت (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) أي عذاب يوم لا ليلة له وهو يوم القيامة وقيل هو يوم بدر سمي عقيما لأنه لم يكن في ذلك اليوم للكفار خير كالريح العقيم لا تأتي بخير وقيل لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة (لِلَّهِ) وحده من غير منازع ولا مشارك فيه (يَحْكُمُ) أي يفصل (بَيْنَهُمْ) ثم بين ذلك الحكم فقال تعالى (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ). قوله تعالى (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله وطلب رضاه (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) أي لا ينقطع أبدا وهو رزق الجنة لأنه فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فإن قلت الرازق في الحقيقة هو الله عزوجل لا رازق للخلق غيره فكيف قال وإن الله لهو خير الرازقين. قلت قد يسمى غير الله رازقا على المجاز كقوله رزق السلطان الجند أي أعطاهم أرزاقهم وإن الرزاق في الحقيقة هو الله تعالى وقيل لأنه الله تعالى يعطي الرزق ما لا يقدر عليه غيره.
(لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي