الموت فتستريحوا منه (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) يعني أعني بإهلاكهم بتكذيبهم إياي (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) يعني بمرأى منا قاله ابن عباس. وقيل بعلمنا وحفظنا لئلا يتعرض له أحد ولا يفسد عليه عمله (وَوَحْيِنا) قيل : إن جبريل علمه عمل السفينة ووصف له كيفية اتخاذها (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) يعني عذابنا (وَفارَ التَّنُّورُ) قيل هو التنور الذي يخبز فيه وكان من حجارة ، وقيل التنور هو وجه الأرض والمعنى أنك إذا رأيت الماء يفور من التنور (فَاسْلُكْ فِيها) يعني فأدخل في السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يعني من كل حيوان ذكر وأنثى (وَأَهْلَكَ) يعني وسائر من آمن بك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) يعني وجب عليه العذاب (مِنْهُمْ) يعني الكفار وقيل أراد بأهله أهل بيته خاصة والذي سبق عليه القول منهم هو ابنه كنعان (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) قوله عزوجل (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ) يعني اعتدلت (أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) يعني في السفينة (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني الكافرين (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) قيل موضع النزول وهو السفينة عند الركوب. وقيل هو وجه الأرض بعد الخروج من السفينة وأراد بالبركة النجاة من الغرق وكثرة النسل بعد الإنجاء (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) معناه أنه قد يكون الإنزال من غير الله كما يكون من الله فحسن أن يقول وأنت خير المنزلين لأنه يحفظ من أنزله ويكلؤه في سائر أحواله ويدفع عنه المكره بخلاف منزل الضيف فإنه لا يقدر على ذلك.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤))
(إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني الذي ذكر من أمر نوح والسفينة وإهلاك أعداء الله (لَآياتٍ) يعني دلالات على قدرتنا (وَإِنْ كُنَّا) يعني وما كنا (لَمُبْتَلِينَ) يعني إلا مختبرين إياهم بإرسال نوح ووعظه وتذكيره لننظر ما هم عاملون قبل نزول العذاب بهم. قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) يعني من بعد إهلاكهم (قَرْناً آخَرِينَ) يعني عادا (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) يعني هودا قاله أكثر المفسرين وقيل القرن ثمود والرسول صالح والأول أصح (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) يعني هذه الطريقة التي أنتم عليها مخافة العذاب (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) يعني بالمصير إليها (وَأَتْرَفْناهُمْ) يعني نعمناهم ووسعنا عليهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) يعني من مشربكم (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) يعني لمغبونون (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) يعني من قبوركم أحياء (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) قال ابن عباس أي بعيد بعيد (لِما تُوعَدُونَ) استبعد القوم بعثهم بعد الموت إغفالا منهم