للتفكر في بدء أمرهم وقدرة الله على إيجادهم وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبدا (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) قيل معناه نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث وقيل يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل معناه يموت قوم ويحيا قوم (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) يعني بعد الموت (إِنْ هُوَ) يعنون رسولهم (إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) يعني بمصدقين بالبعث بعد الموت (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَ) يعني ليصيرن (نادِمِينَ) على كفرهم وتكذيبهم (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِ) يعني صيحة العذاب وقيل صاح بهم جبريل فتصدعت قلوبهم وقيل أراد بالصيحة الهلاك (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) هو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر ، والمعنى صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض (فَبُعْداً) يعني ألزمنا بعدا من الرحمة (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). قوله عزوجل (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) يعني أقواما آخرين (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) يعني وقت هلاكها (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) يعني عن وقت هلاكهم (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) يعني مترادفين يتبع بعضهم بعضا غير متواصلين لأن بين كل رسولين زمنا طويلا (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) يعني بالهلاك فأهلكنا بعضهم في أثر بعض (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) يعني سمرا وقصصا يتحدث من بعدهم بأمرهم وشأنهم (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ). قوله تعالى :
(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠))
(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) يعني بحجة بينة كالعصا واليد وغيرهما (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا) يعني تعظموا عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) يعني متكبرين قاهرين غيرهم بالظلم (فَقالُوا) يعني فرعون وقومه (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) يعنون موسى وهارون (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) يعني مطيعون متذللون (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) يعني بالغرق (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) يعني لكي يهتدي به قومه. قوله عزوجل (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) يعني دلالة على قدرتنا لأنه خلقه من غير ذكر وأنطقه في المهد. فإن قلت لم قال آية ولم يقل آيتين. قلت معناه جعلنا شأنهما آية لأن عيسى ولد من غير ذكر وكذلك مريم ولدته من غير ذكر فاشتركا في هذه الآية فكانت آية واحدة (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) يعني مكان مرتفع قيل هي دمشق وقيل هي الرملة وقيل أرض فلسطين وقال ابن عباس هي بيت المقدس. قال كعب بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. وقيل هي مصر وسبب الإيواء أنها فرت بابنها إليها. وقوله (ذاتِ قَرارٍ) يعني منبسطة واسعة يستقر عليها ساكنوها (وَمَعِينٍ) هو الماء الجاري الذي تراه العيون. قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) قيل أراد بالرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم وحده وقيل أراد به عيسى عليهالسلام وقيل أراد جميع الرسل وأراد بالطيبات الحلال (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي استقيموا على ما يوجبه الشرع (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فيه