كِتابٌ) هو اللوح المحفوظ (يَنْطِقُ بِالْحَقِ) أي يبين الصدق والمعنى قد أثبتنا عمل كل عامل في اللوح المحفوظ فهو ينطق به ويبينه وقيل هو كتاب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم ثم ذكر الكفار فقال تعالى (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ) أي غفلة وجهالة (مِنْ هذا) يعني القرآن (وَلَهُمْ أَعْمالٌ) أي للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم (مِنْ دُونِ ذلِكَ) يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله في قوله (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ هُمْ) يعني الكفار (لَها) أي لتلك الأعمال الخبيثة (عامِلُونَ) أي لا بد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم في الأزل من الشقاوة (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) أي رؤساءهم وأغنياءهم (بِالْعَذابِ) قال ابن عباس : هو السيف يوم بدر وقيل هو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف» (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي يصيحون ويستغيثون ويجزعون (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ) يعني لا تجزعوا ولا تضجوا اليوم (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) يعني لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) يعني القرآن (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) يعني ترجعون القهقرى وتتأخرون عن الإيمان (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) قال ابن عباس : أي بالبيت الحرام كناية عن غير مذكور أي مستعظمين بالبيت وذلك أنهم كانوا يقولون نحن أهل حرم الله وجيران بيته فلا يظهر علينا أحد ولا نخاف أحدا فيأمنون فيه وسائر الناس في الخوف. وقيل مستكبرين به أي بالقرآن فلم يؤمنوا به والقول الأول أظهر (سامِراً) يعني أنهم يسمرون بالليل حول البيت وكان عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا أو شعرا ونحو ذلك من القول فيه وفي النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو قوله (تَهْجُرُونَ) من الإهجار وهو الإفحاش في القول وقيل معنى تهجرون تعرضون عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم وعن الإيمان به وبالقرآن وقيل هو من الهجر وهو القول القبيح أي تهذون وتقولون ما لا تعلمون (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) يعني أفلم يتدبروا ما جاءهم من القرآن فيعتبرون بما فيه من الدلالات الواضحة على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) يعني فأنكروا يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلا إلى قومهم فكذلك بعثنا محمدا صلىاللهعليهوسلم (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) قال ابن عباس : أليس قد عرفوا محمدا صلىاللهعليهوسلم صغيرا وكبيرا وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعد ما عرفوه بالصدق والأمانة (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون وليس هو كذلك (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) بالصدق والقول الذي لا تخفى صحته وحسنه على عاقل (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ). قوله عزوجل (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) قيل الحق هو الله تعالى والمعنى ولو اتبع الله مرادهم فيما يفعل. وقيل : لو سمى لنفسه شريكا وولدا كما يقولون وقيل : الحق هو القرآن أي لو نزل القرآن بما يحبون وما يعتقدون (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) أي لفسد العالم (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) قال ابن عباس بما فيه شرفهم وفخرهم وهو القرآن (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ) أي شرفهم (مُعْرِضُونَ).
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ