اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥))
(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) يعني القرآن هو المبين للهدى والأحكام والحلال والحرام (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني إلى دين الإسلام الذي هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته. قوله تعالى (وَيَقُولُونَ) يعني المنافقين (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا) أي يقولونه : بألسنتهم من غير اعتقاد (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي يعرض عن طاعة الله ورسوله (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد قولهم آمنا ، ويدعو إلى غير حكم الله قال الله تعالى (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) نزلت هذا الآية في بشر المنافق ، كان بينه وبين يهودي خصومة في أرض ، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد صلىاللهعليهوسلم وقال المنافق بل نتحاكم إلى كعب بن الأشرف فإن محمدا يحيف فأنزل الله هذه الآية (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) أي الرسول يحكم بحكم الله بينهم (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) يعني عن الحكم وقيل عن الإجابة (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) أي مطيعين منقادين لحكمه أي إذا كان الحكم لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم أنه ، كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضا (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي كفر ونفاق (أَمِ ارْتابُوا) أي شكوا وهذا استفهام ذم وتوبيخ ، والمعنى هم كذلك (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) أي بظلم (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي لأنفسهم بإعراضهم عن الحق. قوله عزوجل (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ) أي إلى كتاب الله (وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) هذا تعليم أدب الشرع على معنى أن المؤمنين كذا ينبغي أن يكونوا وهو (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا) أي الدعاء (وَأَطَعْنا) أي بالإجابة (وَأُولئِكَ) أي من هذه صفته (هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) قال ابن عباس فيما ساءه وسره (وَيَخْشَ اللهَ) أي على ما عمل من الذنوب (وَيَتَّقْهِ) أي فيما بعد (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) يعني الناجون.
قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) قيل : جهد اليمين أن يحلف بالله ولا يزيد على ذلك شيئا (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا ، ولئن أقمت أقمنا ، ولئن أمرتنا بالجهاد جاهدنا وقيل لما نزل بيان كراهتهم لحكم الله ورسوله قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا ، وأموالنا ونسائنا لخرجنا ، فكيف لا نرضى بحكمك فقال الله تعالى (قُلْ) لهم (لا تُقْسِمُوا) يعني لا تحلفوا ، وتم الكلام ثم ابتدأ فقال (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يعني هذه طاعة القول باللسان دون الاعتقاد بالقلب ، وهي معروفة يعني أمر عرف منكم أنكم تكذبون ، وتقولون ما لا تفعلون وقيل : معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) يعني من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) يعني بقلوبكم وصدق نياتكم (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعني أعرضوا عن طاعة الله ورسوله (فَإِنَّما عَلَيْهِ) أي على الرسول (ما حُمِّلَ) أي ما كلف وأمر به من تبليغ الرسالة (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) أي ما كلفتم من الإجابة والطاعة (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) أي تصيبوا الحق والرشد في طاعته (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي التبليغ الواضح البين. قوله عزوجل (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) قيل مكث النبيّ صلىاللهعليهوسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين مع أصحابه ، وأمروا بالصبر على أذى الكفار فكانوا يصبحون ويمسون خائفين ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة وأمروا بالقتال وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم : سلاحه فقال رجل منهم أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فأنزل الله هذه الآية ، ومعنى ليستخلفنهم والله ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم ، فجعلهم ملوكها وساستها وسكانها (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كما استخلف داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء ، وكما استخلف بني إسرائيل وأهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى) أي اختاره (لَهُمْ) قال