(وَاسْتَفْتَحُوا) يعني واستنصروا. قال ابن عباس : يعني الأمم وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا وقال مجاهد وقتادة : واستفتح الرسل على أممهم وذلك أنهم لما أيسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب (وَخابَ) يعني وخسر وقيل : هلك (كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) والجبار في صفة الإنسان يقال لمن تجبر بنفسه بادعاء منزلة عالية لا يستحقها وهو صفة ذم في حق الإنسان ، وقيل : الجبار الذي لا يرى فوقه أحدا ، وقيل : الجبار المتعظم في نفسه المتكبر على أقرانه والعنيد المعاند للحق ومجانبه قال مجاهد. وقال ابن عباس : هو المعرض عن الحق. وقال مقاتل : هو المتكبر. وقال قتادة : هو الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله. وقيل : العنيد هو المعجب بما عنده. وقيل العنيد الذي يعاند ويخالف (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) يعني هي أمامه وهو صائر إليها قال أبو عبيدة : هو من الأضداد يعني أنه يقال : وراء بمعنى خلف وبمعنى أمام وقال الأخفش : هو كما يقال : هذا الأمر من ورائك يعني أنه سيأتيك (وَيُسْقى) يعني في جهنم (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) وهو ما سال من الجلد واللحم من القيح جعل ذلك شراب أهل النار. وقال محمد بن كعب القرظي : هو ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر وهو قوله (يَتَجَرَّعُهُ) أي يتحساه ويشربه لا بمرة واحدة بل جرعة بعد جرعة لمرارته وحرارته وكراهته ونتنه (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) أي لا يقدر على ابتلاعه. يقال : ساغ الشراب في الحلق إذا سهل انحداره فيه. قال بعض المفسرين : إن يكاد صلة والمعنى يتجرعه ولا يسيغه وقال صاحب الكشاف : دخلت يكاد للمبالغة يعني ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة وقال بعضهم ولا يكاد يسيغه بعد إبطاء لأن العرب تقول ما كدت أقوم أي قمت بعد إبطاء فعلى هذا كاد على أصلها وليست بصلة ، وقال ابن عباس : معناه لا يجيزه. وقيل : معناه يكاد لا يسيغه ويسيغه فيغلي في جوفه. عن أبي إمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى «ويسقى من ماء صديد يتجرعه» قال : «يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره قال وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم وقال وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا» أخرجه الترمذي. وقال : حديث غريب. قوله : وقعت فروة رأسه أي جلدة رأسه وإنما شبهها بالفروة للشعر الذي عليها. وقوله تعالى (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) يعني أن الكافر يجد ألم الموت وشدته من كل مكان من أعضائه. وقال إبراهيم التيمي : حتى من تحت كل شعرة من جسده وقيل يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ، ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وما هو بميت فيستريح. وقال ابن جريج : تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة (وَمِنْ وَرائِهِ) يعني أمامه (عَذابٌ غَلِيظٌ) أي شديد قيل : هو الخلود في النار. قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) هذا كلام مستأنف منقطع عما قبله وهو مبتدأ محذوف الخبر عند سيبويه تقديره فيما نقص ، أو فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا والمثل مستعار للقصة التي فيها غرابة ، وقوله : أعمالهم كرماد جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول : كيف مثلهم فقال أعمالهم كرماد. وقال المفسرون والفراء : مثل أعمال الذين كفروا بربهم فحذف المضاف اعتمادا على ما ذكره بعد المضاف إليه. وقيل : يحتمل أن يكون المعنى صفة الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد كقولك في صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول والرماد معروف وهو ما يسقط من الحطب والفحم بعد إحراقه بالنار ، اشتدت به الريح يعني فنسفته وطيرته ولم تبق منه شيئا في يوم عاصف ، وصف اليوم بالعصوف والعصوف من صفة الريح ، لأن الريح تكون فيه كقولك : يوم بارد وحار وليلة ماطرة لأن الحر والبرد والمطر توجد فيهما وقيل : معناه في يوم عاصف الريح فحذف الريح لأنه قد تقدم ذكرها وهذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار التي لم ينتفوا بها ، ووجه المشابهة بين هذا المثل وبين هذه الأعمال هو أن الريح العاصف تطير الرماد وتذهب به وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى منها شيء وكذلك أعمال الكفار تبطل ، وتذهب بسبب كفرهم وشركهم حتى لا يبقى منها شيء ثم اختلفوا