وكرها ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها ، وأطهرك من الأوثان والأصنام والشيطان ثم مضى سليمان حتى مر بوادي السدير واد من الطائف فأتى على وادي النمل كذا قال كعب الأحبار. وقيل : إنه بالشأم هو واد يسكنه الجن وذلك النمل مراكبهم. وقيل : إن ذلك النمل أمثال الذباب. وقيل كالبخاتي والمشهور أنه النمل الصغير (قالَتْ نَمْلَةٌ) قيل : كانت عرجاء وكانت ذات جناحين وقيل اسمها طاخية وقيل جرمي (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) ولم يقل ادخلن لأنه جعل لهم عقولا كالآدميين فخوطبوا خطاب الآدميين وهذا ليس بمستبعد أن يخلق الله فيها عقلا ونطقا فإنه قادر على ذلك (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) أي لا يكسرنكم (سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال أهل التفسير. علمت النملة أن سليمان نبي ليس فيه جبروتية ولا ظلم ، ومعنى الآية أنكم لو لم تدخلوا وطئوكم ، ولم يشعروا فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال وكان لا يتكلم أحد بشيء إلا حملته الريح حتى تلقيه إلى مسامع سليمان ، فلما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخلوا بيوتهم. فإن قلت : كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وهو فوق البساط على متن الريح ، قلت كأنهم أرادوا النزول عند منقطع الوادي ، فلذلك قالت نملة : لا يحطمنكم سليمان وجنوده لأنهم ما دامت الريح تحملهم لا يخاف حطمهم (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) قيل أكثر ضحك الأنبياء تبسم وقيل معنى ضاحكا متبسما ، وقيل : كان أوله التبسم وآخره الضحك (ق) عن عائشة رضي الله عنها قالت : «ما رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم» عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال «ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلىاللهعليهوسلم» أخرجه الترمذي. فإن قلت : ما كان سبب ضحك سليمان. قلت شيئان : أحدهما ما دل من قولها على ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم ، وذلك قولها وهم لا يشعرون يعني أنهم لو شعروا ما يفعلون. الثاني سروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحدا من إدراك سمعه ، ما قالته النملة وقيل : إن الإنسان إذا رأى أو سمع ما لا عهد له به تعجب وضحك ، ثم إن سليمان حمد ربه على ما أنعم به عليه (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) أي أدخلني في جملتهم ، وأثبت اسمي مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم.
قال ابن عباس : يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين وقيل : أدخلني الجنة مع عبادك الصالحين. قوله عزوجل (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) أي طلبها وبحث عنها والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) وكان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه إخلاله بالنوبة ، وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلا تظله وجنده الطير من الشمس ، فأصابته الشمس من موضع الهدهد فنظر فرآه خاليا. وروي عن ابن عباس أنه كان دليله على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة ، ويعرف قربه من بعده فينقر الأرض فتجيء الشياطين فيحفرونه ويستخرجون الماء منه قال سعيد بن جبير : لما ذكر ابن عباس هذا ، قال نافع بن الأزرق بأوصاف ، انظر ما تقول إن الصبي منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب ، فيجيء بالهدهد ، وهو لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه ، فقال له ابن عباس ويحك إذا جاء القدر حال دون البصر وفي رواية إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب ، وعمي البصر فنزل سليمان منزلا واحتاج إلى الماء ، فطلبوه فلم يجدوه فتفقد الهدهد ليدله على الماء فقال ما لي لا أرى الهدهد على تقدير أنه مع جنوده ، وهو لا يراه ثم إنه أدركه الشك فقال (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) أي أكان وقيل بل كان من أهل الغائبين ، ثم أوعده على غيبته فقال :
(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢))